والمنابذة ألا ترى أن النهى عن البيع وقت النداء لما لم يرجع إلى ذات العقد لم يقتض الفساد بل ما نحن فيه أولى بالصحة لان البيع وقت النداء متوجه إليه وإن كان معللا بأمر خارج (وأما) هنا وفى المصراة فلم يرد النهي على البيع وإنما ورد هنا على كتمان العيب كما أشرت إليه فيما تقدم وفى المصراة على التصرية فليس البيع منهيا عنه أصلا بل هو من حيث هو مباح والحرام هو الكتمان والبيع وقت الجمعة منهى عنه لاشتماله على التفويت فلتفهم الفرق بين الموضعين وبهذا يجاب عن استدلال الظاهرية بقوله صلى الله عليه وسلم " كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد " فنقول التدليس هو المنهى عنه وهو مردود (فان قلت) قد تقدم أن البائع إذا لم يبين العيب حرام وأن المصنف رحمه الله صرح به في التنبيه وإذا كان كذلك فهو مثل البيع وقت النداء فلم يكن أولى منه بالصحة (قلت) لا شك أن المراتب ثلاثة (المرتبة الأولى) وهي أعلاها ما كان منهيا عنه لمعنى فيه كبيع الملامسة (المرتبة الثانية) ما كان منهبا عنه لا لمعنى فيه من حيث هو بل لاستلزامه أمرا ممنوعا كالبيع وقت النداء فهو مستلزم للتفويت الممنوع أو هو فرد من أفراد ما يحصل به التفويت والمتضمن أو المستلزم للممنوع ممنوع (المرتبة الثالثة) وهي أدناها ما لم ينه عنه أصلا ولكن به يتحقق ما هو منهى عنه فهذا لم يخرجه الشرع عن قسم الإباحة فهو كسائر المباحات إذا استلزم شئ منها محرما في بعض الأوقات لا نقول إنه ينقلب من الإباحة إلى التحريم ويوضح لك هذا أنه في المرتبة الثانية إذا اشتغل بالبيع وفوت السعي للجمعة يأثم اثمين اثم للبيع المنهى عنه واثم لتفويت الواجب وفى هذه المرتبة لا يأثم إلا إثما واحدا على الغش وكتمان العيب على البيع ولا يأثم على البيع اثما آخر وإذا حكمنا على البيع المقارن للغش بالتحريم كذلك حكم على المجموع المتضمن للغش المحرم وليس المراد أن ذلك الفعل حرام ثم أي ليس البيع أصلا في حالة من الأحوال مستلزما للكتمان لان كل بيع يمكن أن يخبر معه بالعيب ولا يجوز الحكم على البيع بالتحريم إلا على الوجه الذي بينته إذ يراد تحريم المجموع أعني البيع مع الغش فليس البيع وحده منهيا عنه بطريق القصد ولا بطريق الاستلزام وقد وافق الظاهريون أو من وافق منهم على تصحيح البيع مع النجش قالوا لان البيع غير النجش وذلك يوافق ما قلناه هنا ووافقوا على تصحيح
(١١٩)