(فالجواب) من أوجه (أحدها) أنه صلى الله عليه وسلم قد بين الجواز بقوله صلى الله عليه وسلم (مهل أهل المدينة من ذي الحليفة) (الثاني) أن بيان الجواز إنما يكون فيما يتكرر فعله ففعله صلى الله عليه وسلم مرة أو مرات يسيرة على أقل ما يجزئ بيانا للجواز ويداوم في عموم الأحوال على أكمل الهيئات كما توضأ مرة مرة في بعض الأحوال وداوم على الثلاث ونظائر هذا كثيرة ولم ينقل انه صلى الله عليه وسلم أحرم من المدينة وإنما أحرم بالحج وعمرة الحديبية من ذي الحليفة (الثالث) أن بيان الجواز إنما يكون في شئ اشتهر أكمل أحواله بحيث يخاف ان يظن وجوبه ولم يوجد ذلك هنا * وهذا كله إنما يحتاج إليه على تقدير دليل صريح صحيح في مقابلته ولم يوجد ذلك فان حديث أم سلمة قد سبق أن اسناده ليس بقوي فيجاب عنه بأربعة أجوبة (أحدها) أن إسناده ليس بقوي (الثاني) أن فيه بيان فضيلة الاحرام من فوق الميقات وليس فيه انه أفضل من الميقات ولا خلاف ان الاحرام من فوق الميقات فيه فضيلة وإنما الخلاف أيهما أفضل (فان قيل) هذا الجواب يبطل فائدة تخصيص المسجد الأقصى (فالجواب) ان فيه فائدة وهي تبين قدر الفضيلة فيه (الجواب الثالث) أن هذا معارض لفعله صلى الله عليه وسلم المتكرر في حجته وعمرته فكان فعله المتكرر أفضل (الرابع) أن هذه الفضيلة جاءت في المسجد الأقصى لان له مزايا عديدة معروفة ولا يوجد ذلك في غيره فلا يلحق به والله أعلم * (فرع) في مذاهب العلماء في هذه المسألة * قد ذكرنا ان الأصح ان يحرم من الميقات وبه قال عطاء والحسن البصري ومالك وأحمد وإسحق وروى عن عمر بن الخطاب حكاه ابن المنذر عنهم كلهم ورجح آخرون دويرة أهله وهو المشهور عن عمر وعلى وبه قال أبو حنيفة وحكاه ابن المنذر عن علقمة والأسود وعبد الرحمن وأبي إسحاق يعني السبيعي ودليل الجميع سبق بيانه قال ابن المنذر وثبت ان ابن عمر أهل من إيليا وهو بيت المقدس *
(٢٠٢)