(فرع) في مذاهب العلماء في كون الحج على الفور أو التراخي * قد ذكرنا أن مذهبنا أنه على التراخي وبه قال الأوزاعي والثوري ومحمد بن الحسن ونقله الماوردي عن ابن عباس وأنس وجابر وعطاء وطاوس رضى الله تعالى عنهم * وقال مالك وأبو يوسف هو على الفور وهو قول المزني كما سبق وهو قول جمهور أصحاب أبي حنيفة ولا نص لأبي حنيفة في ذلك * واحتج لهم بقوله تعالى (وأتموا الحج والعمرة لله) وهذا أمر والامر يقتضى الفور وبحديث ابن عباس السابق في هذا الفصل (من أراد الحج فليعجل) وبالحديث الآخر السابق (من لم يمنعه من الحج حاجة أو مرض حابس أو سلطان جائر فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا) ولأنها عبادة تجب الكفارة بافسادها فوجبت على الفور كالصوم ولأنها عبادة تتعلق بقطع مسافة بعيدة كالجهاد قالوا ولأنه إذا لزمه الحج وأخره إما أن تقولوا يموت عاصيا وإما غير عاص (فان قلتم) ليس بعاص خرج الحج عن كونه واجبا وإن (قلتم) عاص فأما أن تقولوا عصى بالموت أو بالتأخير ولا يجوز أن يعصي بالموت إذ لا صنع له فيه فثبت انه بالتأخير فدل على وجوبه على الفور * واحتج الشافعي والأصحاب بان فريضة الحج نزلت بعد الهجرة وفتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة في رمضان سنة ثمان وانصرف عنها في شوال من سنته واستخلف عتاب بن أسيد فأقام الناس الحج سنة ثمان بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مقيما بالمدينة هو وأزواجه وعامة أصحابه ثم غزا غزوة تبوك في سنة تسع وانصرف عنها قبل الحج فبعث أبا بكر رضي الله تعالى عنه فأقام الناس الحج سنة تسع ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأزواجه وعامة أصحابه قادرين على الحج غير مشتغلين بقتال ولا غيره ثم حج النبي صلى الله عليه وسلم بأزواجه وأصحابه كلهم سنة عشر فدل على جواز تأخيره هذا دليل الشافعي وجمهور الأصحاب قال البيهقي وهذا الذي ذكره الشافعي مأخوذ من الاخبار قال (فاما) نزول فرض الحج بعد الهجرة فكما قال واستدل أصحابنا له بحديث كعب بن عجرة قال (وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية ورأسي يتهافت قملا فقال يؤذيك هوامك قلت نعم يا رسول
(١٠٣)