الحرمين لا خلاف في ثبوت الكراهية وإنما الخلاف في التحريم قال أصحابنا وإذا لم نوجب ركوب البحر فتوسطه بحارة أو غيرها فهل يلزمه التمادي في ركوبه إلى الحج أم له الانصراف إلى وطنه ينظر إن كان ما بين يديه إلى مكة أكثر مما قطعه من البحر فله الرجوع إلى وطنه قطعا وإن كان أقل لزمه التمادي قطعا وان استويا فوجهان وقيل قولان (أصحهما) يلزمه التمادي لاستواء الجهدين في حقه (والثاني) لا قالوا وهذان الوجهان فيما إذا كان له في الرجوع من مكة إلى وطنه طريق في البر فإن لم يكن فله الرجوع إلى وطنه قطعا لئلا يتحمل زيادة الخطر بركوب البحر في الرجوع من الحج قال أصحابنا وهذان الوجهان كالوجهين فيمن أحصر وهو محرم وأحاط به العدو من كل جهة فهل له التحلل أم لا وسنوضحهما في موضعهما إن شاء الله تعالى هذا كله في الرجل (أما) المرأة فإن لم نوجب ركوب البحر على الرجل فهي أولى والا ففيها خلاف (والأصح) الوجوب (والثاني) المنع لضعفها عن احتمال الأهوال ولكونها عورة معرضة للانكشاف وغيره لضيق المكان قال أصحابنا فإن لم نوجبه عليها لم يستحب على المذهب وقيل في استحبابه لها حينئذ الوجهان السابقان في الرجل وحكى البندنيجي قولين هذا كله حكم البحر (أما) الأنهار العظيمة كدجلة وسيحون وجيحون وغيرها فيجب ركوبها قولا واحدا عند الجمهور لان المقام فيها لا يطول ولا يعظم الخطر فيها وبهذا قطع المتولي والبغوي وحكى الرافعي فيه وجها شاذا ضعيفا أنه كالبحر والله أعلم * (فرع) إذا حكمنا بتحريم ركوب البحر للحج عند غلبة الهلاك كما سبق فيحرم ركوبه للتجارة ونحوها من الاسفار المباحة وكذا المندوبة أولى وهل يحرم ركوبه في الذهاب إلى العدو فيه وجهان حكاهما أمام الحرمين هنا (أحدهما) يحرم لان الخطر المحتمل في الجهاد هو الحاصل بسبب القتل وليس هذا منه (والثاني) لا يحرم لان مقصود العدو يناسبه فإذا كان المقصود وهو الجهاد مبنيا على العدو لم ينفذ احتمال العدو في السبب والله أعلم *
(٨٤)