...
فرق بين الغرض الدنيوي المطلوب من الخالق الذي يتقرب إليه بالعمل، وبين الغرض الحاصل من غيره وهو استحقاق الأجرة، فإن طلب الحاجة من الله تعالى ولو كانت دنيوية محبوب عند الله، فلا يقدح في العبادة، بل ربما يؤكدها.
وفيه: أن كون النفع منه تعالى لا يوجب اتصاف الفعل بعنوان حسن مضاف إلى المولى، فإن كل نفع وضرر منه تعالى، ولذا قطع الأصحاب ببطلان العبادة إذا أتى بها بداعي الثواب أو دفع العقاب كما صرح به الشهيد قدس سره ومعه لا يعقل تأكد الاخلاص والعبادية بذلك.
ويمكن الجواب عن هذا الوجه - مضافا إلى ما مر - بجواب حلي أفاده بعض المحققين وهو:
إن الفعل المنبعث عن دعوة الأمر عدل في العبودية، وإحسان إلى المولى، وهو من العناوين الممدوح على فاعلها بالذات، ولا يعقل تخلف هذا العنوان الحسن بالذات عن الفعل المأتي بداعي الأمر، كما لا يعقل تخلف كونه ممدوحا على فاعله عن هذا العنوان الحسن بالذات، ومن الواضح أن ترتب فائدة دنيوية على هذا الفعل الممدوح على فاعله لا يخرجه عن كونه ممدوحا على فاعله، فلا يعقل مانعيته عن وقوعه ممدوحا على فاعله مع فرض ترتبه عليه، فإن ما يتفرع على الشئ لا يعقل أن يكون مانعا عنه.
مع أنه قد عرفت أن تملك الأجرة إنما يكون بالايجار، وتسلمها لا يتوقف على إتيان العبادة مع قصد القربة، فالداعي إلى الإتيان بالعمل المستأجر عليه صحيحا وعن قصد القربة الذي لا يطلع عليه إلا علام الغيوب ليس إلا الاستحقاق شرعا.
وبعبارة أخرى: أمر المولى بالإتيان بما اشتغلت ذمته به من العبادة والخوف من الله تعالى فهذا أيضا غرض مطلوب من الخالق. فتدبر فإنه دقيق.