التقرب، فالأجير إنما يجعل نفسه لأحل استحقاق الأجرة نائبا عن الغير في إتيان العمل الفلاني تقربا إلى الله. فالأجرة في مقابل النيابة في العمل المتقرب به إلى الله التي مرجع نفعها إلى المنوب عنه، وهذا بخلاف ما نحن فيه لأن الأجرة هنا في مقابل العمل تقربا إلى الله لأن العمل بهذا الوجه لا يرجع نفعه إلا إلى العامل لأن المفروض أنه يمتثل ما وجب على نفسه بل في مقابل نفس العمل فهو يستحق نفس العمل والمفروض أن الاخلاص اتيان العمل لخصوص أمر الله تعالى. والتقرب يقع للعامل دون الباذل ووقوعه للعامل يتوقف على أن لا يقصد بالعبادة سوى امتثال أمر الله تعالى فإن قلت: يمكن للأجير أن يأتي بالفعل مخلصا لله تعالى بحيث لا يكون للإجارة دخل في اتيانه فيستحق الأجرة فالإجارة غير مانعة من قصد الاخلاص.
قلت: الكلام في أن مورد الإجارة لا بد أن يكون عملا قابلا لأن يوفي به بعقد الإجارة ويؤتى به لأحل استحقاق المستأجر إياه، ومن باب تسليم مال الغير إليه وما كان من قبيل العبادة غير قابل لذلك.
فإن قلت: يمكن أن يكون غاية الفعل التقرب، والمقصود من اتيان هذا الفعل المتقرب به استحقاق الأجرة كما يؤتى بالفعل تقربا إلى الله ويقصد منه حصول المطالب الدنيوية كأداء الدين وسعة الرزق وغيرهما من الحاجات الدنيوية.
قلت: فرق بين الغرض الدنيوي المطلوب من الخالق الذي يتقرب إليه بالعمل وبين الغرض الحاصل من غيره وهو استحقاق الأجرة. فإن طلب الحاجة من الله تعالى سبحانه ولو كانت دنيوية محبوب عند الله فلا يقدح في العبادة بل ربما يؤكدها وكيف كان فذلك الاستدلال حسن في بعض موارد المسألة وهو الواجب التعبدي في الجملة إلا أن مقتضاه جواز أخذ الأجرة في التوصليات وعدم جوازه في المندوبات التعبدية فليس مطردا ولا منعكسا.