والمعصية، كما مر.
وبالجملة، التخلفات عن الموازين الشرعية مختلفة; فقد يكون التخلف جزئيا في مورد خاص، وقد يكون انحرافا أساسيا.
والظاهر أنه يجري في المسألة، المراتب المذكورة في باب النهي عن المنكر من الإنكار بالقلب وباللسان ثم باليد بمراتبها بقدر الإمكان إلى أن تصل النوبة في النهاية إلى الخروج والقيام بالسيف بل المسألة من مصاديق الباب بمفهومه الوسيع.
وفي الحديث أنه قيل لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " أي الجهاد أحب إلى الله - عز وجل -؟ " فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " كلمة حق تقال لإمام جائر. " (1) وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: " الدين النصيحة. " قلنا: لمن؟ قال: " لله ولكتابه و لرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. " (2) والحاصل أنه إذا أخطأ الحاكم خطأ جزئيا أو عصى معصية جزئية لا تمس أصول الشريعة ومصالح الإسلام والمسلمين بل كان أساس عمله وحكمه الكتاب والسنة فلا يجب بل لا يجوز الخروج عليه ولا يحكم بانعزاله أيضا، وإنما يجب الإرشاد و النصح مع احتمال الإصرار. نعم، في الوزراء والمدراء والعمال يجوز للوالي الأعظم عزلهم إذا رآه صلاحا.
وأما إذا انحرف الحاكم انحرافا أساسيا عن موازين الإسلام والعدالة وصار متهتكا وجعل أساس حكمه الاستبداد والهوى، وجعل مال الله دولا وعباده خولا، أو صار عميلا للاستعمار ومنفذا لأهواء الكفرة والأجانب وتغلبوا من هذا الطريق على سياسة المسلمين وثقافتهم واقتصادهم، ولم يرتدع هو بالنصح والتذكير بل لم يزده ذلك إلا عتوا واستكبارا - وإن فرض أنه يظهر الإسلام باللسان بل ويتعبد ببعض المراسيم الظاهرية من الصلاة والحج والشعارات الإسلامية، كما تراه ونراه في أكثر الملوك والرؤساء في بلاد المسلمين في أعصارنا - ففي الوزراء والأمراء و العمال يرفع