12 - وفي الخطبة القاصعة من نهج البلاغة: " ألا فالحذر الحذر من طاعة ساداتكم و كبرائكم! الذين تكبروا عن حسبهم وترفعوا فوق نسبهم وألقوا الهجينة على ربهم، و جاحدوا الله على ما صنع بهم، مكابرة لقضائه ومغالبة لآلائه. فإنهم قواعد أساس العصبية و دعائم أركان الفتنة وسيوف اعتزاء الجاهلية. فاتقوا الله ولا تكونوا لنعمه عليكم أضدادا و لا لفضله عندكم حسادا، ولا تطيعوا الأدعياء الذين شربتم بصفوكم كدرهم، وخلطتم بصحتكم مرضهم، وأدخلتم في حقكم باطلهم، وهم أساس الفسوق وأحلاس العقوق، اتخذهم إبليس مطايا ضلال وجندا بهم يصول على الناس وتراجمة ينطق على ألسنتهم استراقا لعقولكم و دخولا في عيونكم ونفثا في أسماعكم. " (1) فتأمل في هذا الحديث الشريف، وانظر كيف ينطبق مضامينه على الرؤساء الطغاة الحاكمين في أعصارنا. وكيف يصول بهم الشيطان على الناس!!
وحيث لا تجوز إطاعتهم - والمفروض أن الحكومة مما لا محيص عنها ولا تتم هي إلا بالإطاعة والتسليم - فلا محالة يجب اسقاط الحكومة المسرفة الفاسدة لتخلفها الحكومة العادلة الصالحة المفترض طاعتها. وإسقاطها من عرش القدرة لا يتحقق غالبا إلا بالكفاح المسلح.
فإن قلت: لعل النهي في الآيات والروايات متوجه إلى إطاعة أهل الإثم والفساد في خصوص ما أمروا به من الإثم، وقد مر حكمها في الأمر الأول، فلا ينافي ذلك بقاء حكومتهم ووجوب طاعتهم في الشؤون الاجتماعية التي يتوقف عليها حفظ النظام.
قلت: ظاهر الآيات والروايات حرمة طاعتهم بنحو الإطلاق في كل ما أمروا به.
وأنت ترى أن أهل الفساد والتزوير كثيرا ما يستفيدون حتى من الأمور العبادية و مظاهر الشرع المبين استفادة سياسية شيطانية، وربما أحكموا بذلك قواعد ملكهم ليكثروا فيها الفساد. فلا تستغرب أن ينهى الشارع عن إطاعتهم بالكلية حتى في الأمور التي تكون صلاحا بالذات حذرا من استحكام دولتهم وحكومتهم بذلك،