ولكن لما ارتكز في أذهان الناس على حسب عادتهم وسيرتهم ثبوت الرياسة و الزعامة بتفويض الأمة وبيعتهم وكانت البيعة أوثق الوسائل لإنشائها وتنجيزها في عرفهم طالبهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك لتحكيم ولايته خارجا، فإن تمسك الناس بما عقدوه بأنفسهم والتزامهم بوفائه واحتجاجهم به أكثر وأوثق بمراتب.
فالمراد بالتأكيد إيجاد ما هو الوسيلة لتحقق الولاية عند الناس أيضا ليكون تحقق المسبب أقوى وأحكم، ولا محالة يترتب عليه الإطاعة والتسليم خارجا.
والظاهر أن البيعة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت على حكمه وولايته لاعلى رسالته، إذ الرسالة يكفي فيها الإيمان والتصديق، فتدبر.
وبالجملة، إذا كان لتحقق أمر طريقان وكان أحدهما أعهد عند الناس وأوثق و أنفذ فإيجاده بالطريقين يوجب تأكده قهرا، كما هو مقتضى اجتماع العلل على معلول واحد.
وقد عرفت منا أن الإمامة كما تحصل بنصب الله تحصل بنصب الأمة أيضا بالبيعة.
وعلى هذا فإمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) وإن تحققت عندنا بنصب الله أو نصب الرسول، ولكن لما كان إنشاؤها وجعلها من قبل الأمة بالبيعة مما يوجب تأكدها و أوقعيتها في النفوس واستسلام الناس لها خارجا وإمكان الاحتجاج بها فلذا أخذ له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) البيعة بعد نصبه على ما مر. وفي سورة الفتح أطلق على البيعة عهد الله حيث قال: " ومن أوفى بما عاهد عليه الله. الآية. " (1) وكم له مناسبة مع كلمة " عهدي " المراد به الإمامة في قوله " لا ينال عهدي الظالمين. " (2) فتدبر.
ولو قيل - كما لا يبعد - بكون البيعة وسيلة لإنشاء الميثاق مطلقا ولو على بعض الأمور الجزئية الإجرائية.