2 - وما مر منه أيضا في كتابه لمالك: " ولا تدخلن في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل ويعدك الفقر، ولا جبانا يضعفك عن الأمور، ولا حريصا يزين لك الشره بالجور. فإن البخل والجبن والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله. " (1) إذ لو اعتبر عدم البخل والحرص في من يشاوره الوالي فاعتبارهما في نفس الوالي يكون بطريق أولى، بل المشاور للوالي يكون من الولاة غالبا وينتخب واليا بعنوان المشاور، كما هو المتعارف في عصرنا.
3 - ما فيه أيضا: " لا يقيم أمر الله - سبحانه - إلا من لا يصانع، ولا يضارع، ولا يتبع المطامع. " (2) أقول: الظاهر أن المراد بالأمر الولاية، وقد شاع استعماله فيها. منها قوله (عليه السلام):
" فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة... " (3) وفي شرح ابن أبي الحديد: " المصانعة: بذل الرشوة. " (4) ولكن الظاهر كونها بمعنى المداراة والمداهنة مطلقا. نعم، من مصاديقها المداهنة بأخذ الرشوة. فالمراد أن الوالي لا يكون مقيما لأمر الله إلا أن يكون منفذا للقوانين والمقررات ولا يداهن أحدا بأخذ الرشوة، أو بسبب الصداقة، أو لكونه من الأقوياء أو نحو ذلك فيعطل أحكام الله لذلك.
والمضارعة: المشابهة. فلعل المراد أن الحاكم الحق يجب عليه أن يكون مستقلا في الفكر والعمل، ولا يقع أسيرا تحت تأثير العوامل الخارجية أو الداخلية، فيترك محاسن الأخلاق والأعمال وما يقتضيه العقل السليم بسبب الأجواء والتقاليد الباطلة.
ولعل في كلامه (عليه السلام) نحو طعن على معاوية وأمثاله. فقد روي ان عمر بن الخطاب اعترض عليه في سفره إلى الشام لما شاهد من زيه، فاعتذر بأنا في بلد