واعلم ان الصحاح والسنن ومسانيد إخواننا السنة ملاء من الأخبار الواردة في الإمارة والسلطنة، ففي بعضها مدح الإمارة والترغيب فيها، وفي بعضها التحذير والتخويف منها وذم أئمة الجور وأنهم من أهل النار، وفي بعضها وجوب الإطاعة للأمير وإن كان عبدا حبشيا مجدع الأطراف، وفي بعضها أنه " لا طاعة لمن لم يطع الله " أو " لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف "، وفي بعضها أن السلطان ظل الله في الأرض، وفي بعضها أن السلطان العادل المتواضع ظل الله ورمحه في الأرض.
والجمع بين هذه الروايات بحسب الصناعة الفقهية واضح، لوضوح أن الوالي الحق العادل يجب اطاعته دون الظالم الجائر، ولا سيما في ظلمه وجوره، وانه إذا أمر من قبل الوالي العادل عبد مجدع يقود الناس بكتاب الله - كما في متن الحديث - فالواجب اطاعته ولو كان حبشيا أسود. فان هذا من مزايا الإسلام، حيث الغى الامتيازات اللونية والجغرافية والطائفية والطبقية وقال في القرآن الكريم: " إن أكرمكم عند الله أتقيكم. " (1) ألا ترى ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر أسامة بن زيد قبيل وفاته وأمر الصحابة الكبار أيضا بان يكونوا تحت لوائه؟
والمطلق في قوله: " السلطان ظل الله " يجب أن يحمل على المقيد في الحديث الآخر.
فالسلطان العادل الحق ظل الله دون الجائر الظالم، فإنه ظل الشيطان وطاغوت، و قد أمروا أن يكفروا به.
ويحتمل إرادة الإنشاء أيضا لا الاخبار فيراد أن السلطان يجب أن يكون ظل الله ومظهر رحمته.
نعم، السلطان ولو كان جائرا خير من فتنة تدوم ومن الهرج والمرج، لا بمعنى مشروعية سلطنته بل بمعنى الرجحان العقلي إذا دار الأمر بينهما ولم يمكن تأسيس الحكومة العادلة. وقد مر بيان ذلك في ذيل كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) في الدليل الرابع، فراجع. ويأتي بيان الشرائط للحاكم الحق الذي يجب إطاعته في الباب الرابع، فانتظر.