الضعفة والمستضعفين، بل يجب عليه حماية الضعفاء وإحقاق حقوقهم، ولا يخفي انه لا يتيسر ذلك غالبا إلا بالتجمع والتشكل وتحصيل القوة والقدرة بقدر الإمكان، ولا نعني بالحكومة إلا هذا، غاية الأمر أن لها مراتب.
بل قد مر في خلال الفصول السابقة أنه لا يجوز للإنسان المسلم أن يقعد في بيته ولا يبالي بما يقع في محيطه وبيئته من الفحشاء والفساد وإراقة دماء المسلمين وهتك نواميسهم وهضم الكفار والطواغيت للمسلمين والمستضعفين وتسخيرهم واحتلال بلادهم.
فأدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأدلة الجهاد الدفاعي بأجمعها أيضا من أقوى الأدلة على لزوم تشكل المسلمين وتأسيس الدولة الحقة وتحصيل القدرة مهما أمكن وبقدر الإمكان. والميسور منها لا يترك بالمعسور.
والأصحاب وإن ظهر منهم كون وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا توقفا على الضرب والجراح مشروطين بإذن الإمام، ومقتضاه عدم التكليف على المسلمين في مواجهة الفساد وان بلغ ما بلغ، ولكن نحن قد قوينا سابقا عدم اشتراط الوجوب بذلك. نعم، وجود الفعل خارجا، بحيث يؤثر في رفع الفساد ولا يترتب عليه ضرر، مشروط بالإمام لتحصل القدرة والنظم ولا يحصل الهرج والمرج. فتجب إقامة الحكومة الحقة وتأسيس الدولة بالوجوب المقدمي. وقد مر خبر يحيى الطويل عن أبي عبد الله (عليه السلام): " ما جعل الله بسط اللسان وكف اليد، ولكن جعلهما يبسطان معا ويكفان معا. " (1) ونحو ذلك الدفاع عن حوزة الإسلام وكيان المسلمين، فإنه واجب مطلق ولكن وجود بعض مراتبه متوقف على التشكل وتحصيل القدرة، ولا محالة يتوقف ذلك على ان يؤمروا على أنفسهم أميرا ينظم أمرهم ويجمع شملهم.
فالجهاد بقسميه يحتاج إلى الإمام، ولكن في الجهاد الابتدائي الوجوب على ما قالوا مشروط بالإمام وإذنه بخلاف الجهاد الدفاعي، فان الوجوب مطلق ولكن الوجود مشروط