وإذ نحن اخترنا الآن طريقة " التحليل العقلي " أولا، فلنذكرها متمثلة في الحركات الثلاث:
فإنك عندما تجتاز الدور الثاني تنتقل إلى الثالث وهو " الحركة الذاهبة " حركة العقل من المجهول إلى المعلومات. ومعنى هذه الحركة بطريقة التحليل المقصود بيانها: هو أن تنظر في ذهنك إلى جميع الأفراد الداخلة تحت ذلك الجنس الذي فرضت المشكل داخلا تحته. وفي المثال تنظر إلى أفراد السوائل سواء كانت ماء أو غير ماء باعتبار أن كلها سوائل.
وهنا ننتقل إلى الرابع، وهو " الحركة الدائرية " أي: حركة العقل بين المعلومات. وهو أشق الأدوار وأهمها دائما في كل تفكير، فإن نجح المفكر فيه انتقل إلى الدور الأخير الذي به حصول العلم، وإلا بقي في مكانه يدور على نفسه بين المعلومات من غير جدوى. وهذه الحركة الدائرية بين المعلومات في هذه الطريقة هي: أن يلاحظ الفكر مجاميع أفراد الجنس الذي دخل تحته المشكل، فيفرزها مجموعة مجموعة، فلأفراد المجهول مجموعة ولغيره من أنواع الجنس الأخرى، كل واحد مجموعة من الأفراد. وفي المثال يلاحظ مجاميع السوائل، الماء، والزئبق، واللبن، والدهن... إلى آخرها. وعند ذلك يبدأ في ملاحظتها ملاحظة دقيقة ليعرف ما تمتاز به مجموعة أفراد المشكل بحسب ذاتها وحقيقتها عن المجاميع الأخرى، أو بحسب عوارضها الخاصة بها. ولابد هنا من الفحص الدقيق والتجربة، ليعرف في المثال الخصوصية الذاتية أو العرضية التي يمتاز بها الماء عن غيره من السوائل: في لونه وطعمه، أو في وزنه وثقله، أو في أجزائه الطبيعة. ولا يستغني الباحث عن الاستعانة بتجارب الناس والعلماء وعلومهم.
والبشر من القديم - كما قلنا في أول مبحث القسمة - اهتموا بفطرتهم في تقسيم الأشياء وتمييز الأنواع بعضها عن بعض، فحصلت لهم بمرور