أجسام غير الخشب ودقق في ملاحظته ووزن الأجسام والوسائل (1) بدقة وقاس وزن بعضها ببعض، لحصل له حكم آخر بأن العلة في طفو الخشب على الماء أن الخشب أخف وزنا من الماء، وتحصل له قاعدة عامة هي: أن الجسم الجامد يطفو على السائل إذا كان أخف وزنا منه، ويرسب إلى القعر إذا كان أثقل وزنا، وإلى وسطه إذا ساواه في الوزن، فالحديد مثلا يرسب في الماء، ويطفو في الزئبق لأنه أخف وزنا منه.
4 - المتواترات (2):
وهي قضايا (3) تسكن إليها النفس سكونا يزول معه الشك ويحصل الجزم القاطع. وذلك بواسطة إخبار جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب ويمتنع اتفاق خطئهم في فهم الحادثة (4) كعلمنا بوجود البلدان النائية التي لم نشاهدها، وبنزول القرآن الكريم على النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وبوجود بعض الأمم السالفة أو الأشخاص.
هذا القيد الأخير لم يذكره المؤلفون من المنطقيين والأصوليين. وذكره - فيما أرى - لازم، نظرا إلى أن الناس المجتمعين كثيرا ما يخطؤون في فهم الحادثة على وجهها حينما تقتضي الحادثة دقة الملاحظة. وقوانين علم الاجتماع تقضي بأن الجمهور لا تتأتى فيه الدقة في الملاحظة إذ سرعان ما تسري فيه العدوي والمحاكاة بعضهم لبعض، فإذا تأثر بعضهم بالحادث المشاهد قد يقلده غيره من الحاضرين بالتأثر من حيث لا يشعر، فيسري إلى الآخرين. وعليه لا يحصل اليقين من إخبار جماعة يحتمل خطأهم في الملاحظة وإن حصل اليقين بعدم تعمدهم للكذب.
ألا ترى أن المشعوذين يأتون بأعمال يبدو أنها خارقة للعادة فينخدع بها المتفرجون لأنهم لم يرزقوا ساعة الاجتماع دقة الملاحظة. ولو انفرد الشخص وحده بمشاهدة المشعوذ لربما لا يشاهده يطحن الزجاج بأسنانه ويخرجه إبرا، أو يطعن نفسه بمدية ولا يخرج الدم، بل قد تنكشف له الحيلة بسهولة. (*)