والمباحث التي تعرف بها النسب بين القضايا هي: مباحث التناقض، والعكس المستوي، وعكس النقيض، وملحقاتها. وتسمى " أحكام القضايا ". ونحن نشرع - إن شاء الله تعالى - في هذه المباحث على هذا الترتيب المتقدم.
التناقض الحاجة إلى هذا البحث والتعريف به:
قلنا في التمهيد: إن كثيرا ما تمس الحاجة إلى الاستدلال على قضية ليست هي نفس القضية المطلوبة، ولكن العلم بكذبها يلزمه العلم بصدق القضية المطلوبة أو بالعكس، عندما يكون صدق إحداهما يلزم كذب الأخرى.
والقضيتان اللتان لهما هذه الصفة هما القضيتان المتناقضتان، فإذا أردت - مثلا - أن تبرهن على صدق القضية " الروح موجودة " مع فرض أنك لا تتمكن على ذلك مباشرة، فيكفي أن تبرهن على كذب نقيضها وهو " الروح ليست موجودة " فإذا علمت كذب هذا النقيض لابد أن تعلم صدق الأولى، لأن النقيضين لا يكذبان معا. وإذا برهنت على صدق النقيض لابد أن تعلم كذب الأولى، لأن النقيضين لا يصدقان معا.
وربما يظن أن معرفة نقيض القضية أمر ظاهر كمعرفة نقائض المفردات، كالإنسان واللا إنسان التي يكفي فيها الاختلاف بالإيجاب والسلب. ولكن الأمر ليس بهذه السهولة، إذ يجوز أن تكون الموجبة والسالبة صادقتين معا، مثل " بعض الحيوان إنسان " و " بعض الحيوان ليس بإنسان " ويجوز أن تكونا كاذبتين معا، مثل " كل حيوان إنسان " و " لا شئ من الحيوان بإنسان ".