تمهيد:
إن الشعر صناعة لفظية تستعملها جميع الأمم على اختلافها. والغرض الأصلي منه التأثير على النفوس لإثارة عواطفها: من سرور وابتهاج، أو حزن وتألم، أو إقدام وشجاعة، أو غضب وحقد، أو خوف وجبن، أو تهويل أمر وتعظيمه، أو تحقير شئ وتوهينه، أو نحو ذلك من انفعالات النفس.
والركن المقوم للكلام الشعري المؤثر في انفعالات النفوس ومشاعرها أن يكون فيه تخييل وتصوير، إذ للتخييل والتصوير الأثر الأول في ذلك كما سيأتي بيانه، فلذلك قيل: إن قدماء المناطقة من اليونانيين جعلوا المادة المقومة للشعر القضايا المتخيلات فقط، ولم يعتبروا فيه وزنا ولا قافية.
أما العرب - وتبعتهم أمم أخرى ارتبطت بهم كالفرس والترك - فقد اعتبروا في الشعر الوزن المخصوص المعروف عند العروضيين، واعتبروا أيضا القافية على ما هي معروفة في علم القافية، وإن اختلفت هذه الأمم في خصوصياتها. أما ما ليس له وزن وقافية فلا يسمونه شعرا وإن اشتمل على القضايا المخيلات.
ولكن الذي صرح به الشيخ الرئيس في منطق الشفا: ان اليونانيين كالعرب كانوا يعتبرون الوزن في الشعر (1) حتى أنه ذكر أسماء الأوزان عندهم.