لم يكن كذلك بل كان بديهيا معروفا. فالنظري عندك في الحقيقة ليس هو إلا الذي تجهل حده أو رسمه.
إذا، المهم في الأمر أن نعرف الطريقة التي نحصل بها الحد والرسم.
وكل ما تقدم من الأبحاث في التعريف هي في الحقيقة أبحاث عن معنى الحد والرسم وشروطهما أو أجزائهما. وهذا وحده غير كاف ما لم نعرف طريقة كسبهما وتحصيلهما، فإنه ليس الغني هو الذي يعرف معنى النقود وأجزاءها وكيف تتألف، بل الغني من يعرف طريقة كسبها فيكسبها، وليس المريض يشفى إذا عرف فقط معنى الدواء وأجزاءه، بل لا بد أن يعرف كيف يحصله ليتناوله.
وقد أغفل كثير من المنطقيين هذه الناحية، وهي أهم شئ في الباب، بل هي الأساس، وهي معنى التفكير الذي به نتوصل إلى المجهولات.
ومهمتنا في المنطق: أن نعرف كيف نفكر لنكسب العلوم التصورية والتصديقية.
وسيأتي أن طريقة التفكير لتحصيل العلم التصديقي هو الاستدلال والبرهان. أما تحصيل العلم التصوري فقد اشتهر عند المناطقة: أن الحد لا يكتسب بالبرهان، وكذا الرسم. والحق معهم، لأن البرهان مخصوص لاكتساب التصديق، ولم يحن (1) الوقت بعد لابين للطالب سر ذلك. وإذا لم يكن البرهان هي الطريقة هنا فما هي طريقة تفكيرنا لتحصيل الحدود والرسوم؟ وطبعا لابد أن تكون هذه الطريقة طريقة فطرية يصنعها كل إنسان في دخيلة نفسه يخطئ فيها أو يصيب. ولكن نحتاج إلى الدلالة عليها لنكون على بصيرة في صناعتها، وهذا هو هدف علم المنطق، وهذا ما نريد بيانه، فنقول: