الأسباب. وكم شاهدنا وسمعنا رئيس دولة أو مرشد قطر أو مرجعا دينيا لفرقة بينما هو في القمة من عظمته إذا به يهوي بين عشية وضحاها من برجه الرفيع محطما لخطأة صغيرة ارتكبها، أو لأمر فعله أو قاله معتقدا فيه الصلاح فاتهمه الجمهور بالخيانة أو الخطل، أو ظنوا فيما عمله أو رآه الفساد والضرر.
والجمهور لا صبر له على كتمان رأيه أو تأجيل التعبير عنه إلى وقت آخر، كما لا يعرف المجاملة والمداراة والمداهنة والمماشاة، ولا يفهم البرهان والدليل حينئذ إلا القوة تسكته أو السيف يفنيه.
هذا، وإن حصر كل ما ينبغي للخطيب في باب الاجتماعيات من معرفة لا يسعه هذا المختصر، وكفى ما أشرنا إليه.
ونزيد هنا أنه على العموم من أهم ما يلزم له - بعد معرفة كل ما يتعلق بفرعه المختص به - أن يكون مطلعا على علم الاجتماع وعلم النفس.
وأهم من ذلك الخبرة في تطبيقهما، وتشخيص نفسيات الجماهير المستمعين له، ومعرفة تأريخ من سبقه من القادة والرؤساء والاستفادة من تجاربهم منضمة إلى تجاربه الشخصية. وأهم من ذلك كله المواهب الشخصية التي أشرنا إليها سابقا، فإنه كم من خطيب موهوب يبز أعلم العلماء وهو لم يدرس علوم الاجتماع، إذ يسوقه ذكاؤه وفطرته إلى معرفة ما يقتضيه ذلك الاجتماع وما يتطلبه، فيستطيع أن يهيمن عليه ويسخره ببيانه ويسخره بأسلوبه.
القسم الثاني الرئيسي: ما يتعلق بالأمور الجزئية وهي غير محدودة ولا معدودة، فلذلك لا يمكن ضبطها، وإنما يتبع فيها نباهة الخطيب وفطنته. غير أنها تشترك في شئ واحد عام هو: طلب صلاح الحال، فلذلك من جهة عامة ينبغي للخطيب أن يعرف:
أولا: معنى " صلاح الحال " مثل أن يقال: إنه في الإنسان استجماع