وقد سبق أن قلنا: إن البشر مرتكس إلى قمة رأسه بالمغالطات والخلافات، فما أحوج! طالب الحق السابح في بحر المعارف إلى أن يزيح عنه الزبد الطافح على الماء من رواسب غلطات الماضين بمعرفة ما يصطنعه المغالطون من أوهام.
ولكن ذوي الطباع السليمة والآراء المستقيمة في غنى عن معرفة مواضع الغلط بتعلم القوانين والأصول في هذه الصناعة، فإن لهم بمواهبهم الشخصية الكفاية وإن كان لا تخلو هذه الصناعة من زيادة بصيرة لهم.
- 4 - موضوع هذه الصناعة وموادها ليس موضوع هذه الصناعة محدودا بشئ خاص، بل تتناول كل ما تتعلق به صناعة البرهان والجدل، فموضوعاتها بإزاء موضوعاتهما، ومسائلها بإزاء مسائلهما، بل إن مباديها بإزاء مباديهما، أي: أن مباديها مشابهة لمباديهما.
غير أن هاتين الصناعتين حقيقيتان وهذه صورية ظاهرية، لأن المشابهة بحسب الرواج والظاهر - كما قلنا سابقا - من جهة ضعف قوة التمييز والقصور الذهني.
ومواد (1) هذه الصناعة هي المشبهات والوهميات - على ما بيناه في مقدمة الصناعات - والوهميات من وجه داخلة في المشبهات، باعتبار التوهم فيها أن المعقولات لها حكم المحسوسات.