ثم المقدمة اليقينية إما أن تكون في نفسها بديهية من إحدى البديهيات الست المتقدمة، وإما أن تكون نظرية تنتهي إلى البديهيات.
فإذا تألفت الحجة من مقدمتين يقينيتين سميت " برهانا " ولابد أن تنتجا قضية يقينية لذات القياس المؤلف منهما اضطرارا، عندما يكون تأليف القياس في صورته يقينيا أيضا كما كان في مادته، فيستحيل حينئذ تخلف النتيجة، لاستحالة تخلف المعلول عن علته، فيعلم بها اضطرارا لذات المقدمتين بما لهما من هيئة التأليف على صورة قياس صحيح.
وهذا معنى أن نتيجة البرهان ضرورية. ويعنون بالضرورة هنا معنى آخر غير معنى " الضرورة " في الموجهات، على ما سيأتي (1).
والخلاصة: أن البرهان يقيني واجب القبول مادة وصورة، وغايته أن ينتج اليقين الواجب القبول، أي: اليقين بالمعنى الأخص.
- 2 - البرهان قياس ذكرنا في تعريف البرهان أنه قياس، وعليه فلا يسمى الاستقراء ولا التمثيل برهانا. وعلل بعضهم ذلك بأن الاستقراء والتمثيل لا يفيدان اليقين، ويجب في البرهان أن يفيد اليقين.
والحق أن الاستقراء قد يفيد اليقين، وكذلك التمثيل على ما تقدم في بابهما في الجزء الثاني (2) بل تقدم أن أساس أكثر كبريات الأقيسة هو الاستقراء المعلل، ومع ذلك لا يسمى الاستقراء ولا التمثيل برهانا.
والسر في ذلك: أن الاستقراء المفيد لليقين - وكذا التمثيل - إنما يفيد اليقين حيث يعتمد على القياس، كما شرحناه في التجربيات (3) وأشرنا في