أو التهكم بهم أو إخجالهم، فإن خطابه سيكون قليل الأثر أو عديمه أصلا وإن كان يأتي بذلك بقصد إثارة الحمية والغيرة فيهم، لأن هذه الأمور - بالعكس - تثير غضبهم عليه وكرهه والاشمئزاز من كلامه. ولإثارة الحمية طرق أخرى غير هذه.
وبعبارة أشمل وأدق: إن التجاوب النفسي بين الخطيب والمستمعين شرط أساسي في التأثر بكلامه، فإذا ذمهم أو تهكم بهم بعدهم عنه وخسر هذا التجاوب النفسي. وهكذا لو أضجرهم بطول الكلام أو التكرار الممل أو التعقيد في العبارة أو ذكر ما لا نفع فيه لهم أو ما ألفوا استماعه.
والخطيب الحاذق الناجح من يستطيع أن يمتزج بالمستمعين ويهيمن عليهم، بأن يجعلهم يشعرون بأنه واحد منهم وشريكهم في السراء والضراء، وبأنه يعطف على منافعهم ويرعى مصالحهم، وبأنه يحبهم ويحترمهم، لا سيما الخطيب السياسي والقائد في الحرب.
- 9 - شهادة القول وهي من أقسام " النصرة " التي ليست بصناعة وحيلة، ومن أقسام ما يقتضي نفس الإقناع. وهي تحصل: إما بقول من يقتدى به مع العلم بصدقه كالنبي والإمام، أو مع الظن بصدقه كالحكيم والشاعر. وإما بقول الجماهير أو الحاكم أو النظارة، وذلك بتصديقهم للخطيب أو تأييدهم له بهتاف أو تصفيق أو نحوها. وإما بوثائق ثابتة كالصكوك والسجلات والآثار التاريخية ونحوها.
وهذه الشهادة - على أنها من الأعوان - تفيد بنفسها الإقناع. وقد تكون بنفسها عمودا لو صح أخذها مقدمة في الحجة الخطابية، وتكون حينئذ من قسم " المقبولات " التي قلنا: إن الحجة الخطابية قد تتألف منها.