- 15 - الضمير للضمير شأن خاص في هذه الصناعة، فإن على الخطيب أن يكون متمكنا من إخفاء كبراه في أقيسته أو إهمالها. إن باقي الصناعات قد تحذف الكبرى في أقيستها ولكن لا لحاجة وغرض خاص، بل لمجرد الإيجاز عند وضوح الكبرى. أما في الخطابة فإن إخفاءها غالبا ما يضطر إليه الخطيب بما هو خطيب لأحد أمور:
1 - إخفاء عدم الصدق الكلي فيها، مثل أن يقول: " فلان يكف غضبه عن الناس فهو محبوب " فإنه لو صرح بالكبرى وهي " كل من كف غضبه عن الناس هو محبوب لهم " ربما لا يجدها السامع صادقة صدقا كليا، وقد يتنبه بسرعة إلى كذبها، إذ قد يعرف شخصا معينا متمكنا من كف غضبه ومع ذلك لا يحبه الناس.
2 - تجنب أن يكون بيانه منطقيا وعلميا معقدا، فلا يميل إليه الجمهور الذي من طبعه الميل إلى الصور الكلامية الواضحة السريعة الخفيفة.
والسر: أن ذكر الكبرى يصبغه بصبغة الكلام المنطقي العلمي الذي ينصرف عن الإصغاء إليه الجمهور، بل قد يثير شكوكهم وعدم حسن ظنهم بالخطيب أو سخريتهم به.
3 - تجنب التطويل، فإن ذكر الكبرى غالبا يبدو مستغنيا عنه، والجمهور إذا أحس أن الخطيب يذكر ما لا حاجة إلى ذكره أو يأتي بالمكررات يسرع إليه الملل والضجر والاستيحاش منه، وقد يؤثر فيه ذلك انفعالا معكوسا فيثير في نفوسهم التهمة له في صدق قوله، فلذلك ينبغي للخطيب دائما تجنب زيادة الشرح والتكرار الممل، فإنه يثير التهمة في نفوس المستمعين وشكوكهم في قولهم وضجرهم منه.
وبعد هذا، فلو اضطر الخطيب إلى ذكر الكبرى - كما لو كان حذفها