اليقين غير الحاضرة هو الكسب، وهو المحتاج إلى النظر والفكر. والذي يدعو إلى هذا الاستحضار البديهة الأولى المذكورة في صدر البحث، وهي استحالة وجود الممكن بلا علة، وإذا حضرت العلة انتظم البرهان - كما قلنا - أي: يحصل اليقين بالنتيجة، وذلك بناء على البديهة الثانية، وهي استحالة تخلف المعلول عن العلة.
فاتضح من جميع ما ذكرنا كيف نحتاج إلى البرهان وسر الحاجة إليه، وأنه يرتكز أساسه على هاتين البديهتين اللتين هما الطريق الأساس الفكري لتحصيل كل برهان.
- 6 - البرهان اللمي مطلق وغير مطلق (1) قد عرفت أن البرهان اللمي ما كان الأوسط فيه علة لثبوت الأكبر للأصغر ومعنى ذلك: أنه علة للنتيجة. وهذا على نحوين:
1 - أن يكون علة لوجود الأكبر في نفسه على الإطلاق، ولأجل هذا يكون علة لثبوته للأصغر، باعتبار أن المحمول الذي هو الأكبر هنا ليس وجوده إلا وجوده لموضوعه وهو الأصغر، وليس له وجود مستقل عن وجود موضوعه، كالمثال المتقدم، وهو مثال علية ارتفاع الحرارة لتمدد الحديدة. ويسمى هذا النحو " البرهان اللمي المطلق ".
2 - أن لا يكون علة لوجود الأكبر على الإطلاق، وإنما يكون علة لوجوده في الأصغر. ويسمى هذا النحو " البرهان اللمي غير المطلق " وإنما صح أن يكون علة لوجود الأكبر في الأصغر وليس علة لنفس الأكبر، فباعتبار أن وجود الأكبر في الأصغر شئ وذات الأكبر شئ آخر، فتكون