التعريف تمهيد (1):
كثيرا ما تقع المنازعات في المسائل العلمية وغيرها حتى السياسية لأجل الإجمال في مفاهيم الألفاظ التي يستعملونها، فيضطرب حبل التفاهم، لعدم اتفاق المتنازعين (2) على حدود معنى اللفظ، فيذهب كل فرد منهم إلى ما يختلج في خاطره من المعنى. وقد لا تكون لأحدهم صورة واضحة للمعنى مرسومة بالضبط في لوحة ذهنه، فيقنع - لتساهله أو لقصور مداركه - بالصورة المطموسة المضطربة، ويبني عليها منطقه المزيف.
وقد يتبع الجدليون والساسة - عن عمد وحيلة - ألفاظا خلابة غير محدودة المعنى بحدود واضحة، يستغلون جمالها وإبهامها للتأثير على الجمهور، وليتركوا كل واحد يفكر فيها بما شاءت له خواطره الخاطئة أو الصحيحة، فيبقى معنى الكلمة بين أفكار الناس كالبحر المضطرب. ولهذا تأثير سحري عجيب في الأفكار.
ومن هذه الألفاظ كلمة " الحرية " التي أخذت مفعولها من الثورة الفرنسية وأحداث (3) الانقلابات الجبارة في الدولة العثمانية والفارسية، والتأثير كله لإجمالها وجمالها السطحي الفاتن، وإلا فلا يستطيع العلم أن يحدها بحد معقول يتفق عليه.
ومثلها كلمة " الوطن " الخلابة التي استغلها ساسة الغرب لتمزيق بعض الدول الكبرى كالدولة العثمانية. وربما يتعذر على الباحث أن يعرف اثنين كانا يتفقان على معنى واحد واضح كل الاتفاق يوم ظهور هذه الكلمة