شبهة مستعصية:
إن القياس الذي هو العمدة في الأدلة على المطالب الفلسفية - وهو المفيد لليقين - لما كان يعتمد على مقدمة كلية على كل حال، فإن الأساس فيه لا محالة هو الاستقراء، لما قدمنا أن كل قاعدة كلية لا تحصل لنا إلا بطريق فحص جزئياتها.
ولا شك أن أكثر القواعد العامة غير متناهية الأفراد، فلا يمكن تحصيل الاستقراء التام فيها.
فيلزم على ذلك أن تكون أكثر قواعدنا التي نعتمد عليها لتحصيل الأقيسة ظنية، فيلزم أن تكون أكثر أقيستنا ظنية وأكثر أدلتنا غير برهانية في جميع العلوم والفنون! وهذا ما لا يتوهمه أحد.
فهل يمكن أن ندعي أن الاستقراء الناقص يفيد العلم اليقيني، فنخالف جميع المنطقيين الأقدمين؟ ربما تكون هذه الدعوى قريبة إلى القبول، إذ تجد أنا نتيقن بأمور عامة ولم يحصل لنا استقراء جميع أفرادها، كحكمنا قطعا بأن الكل أعظم من الجزء مع استحالة استقراء جميع ما هو كل وما هو جزء، وكحكمنا بأن الاثنين نصف الأربعة مع استحالة استقراء كل اثنين وكل أربعة، وكحكمنا بأن كل نار محرقة وأن كل إنسان يموت مع استحالة استقراء جميع أفراد النار والإنسان... وهكذا ما لا يحصى من القواعد البديهية، فضلا عن النظرية.
حل الشبهة:
فنقول في حل الشبهة: إن الاستقراء على أنحاء:
1 - أن يبنى على صرف المشاهدة فقط، فإذا شاهد بعض الجزئيات أو أكثرها أن لها وصفا واحدا، استنبط أن هذا الوصف يثبت لجميع الجزئيات،