وبعض حصر عدد المخبرين لحصول التواتر في عدد معين. وهو خطأ، فإن المدار إنما هو حصول اليقين من الشهادات عندما يعلم امتناع التواطؤ على الكذب وامتناع خطأ الجميع. ولا يرتبط اليقين بعدد مخصوص من المخبرين تؤثر فيه الزيادة والنقصان.
5 - الحدسيات (1):
وهي قضايا مبدأ الحكم بها حدس من النفس قوي جدا يزول معه الشك ويذعن (2) الذهن بمضمونها، مثل حكمنا بأن القمر وزهرة وعطارد وسائر الكواكب السيارة مستفاد نورها من نور الشمس، وأن انعكاس شعاع نورها إلى الأرض يضاهي انعكاس الأشعة من المرآة إلى الأجسام التي تقابلها.
ومنشأ هذا الحكم أو الحدس اختلاف تشكلها عند اختلاف نسبتها من الشمس (3) قربا وبعدا. وكحكمنا بأن الأرض على هيئة الكرة، وذلك لمشاهدة السفن - مثلا - في البحر أول ما يبدو منها أعاليها ثم تظهر بالتدريج كلما قربت من الشاطئ. وكحكم علماء الهيئة حديثا بدوران السيارات حول الشمس وجاذبية الشمس لها، لمشاهدة اختلاف أوضاع هذه السيارات بالنسبة إلى الشمس وإلينا على وجه يثير الحدس بذلك.
والحدسيات جارية مجرى المجربات في الأمرين المذكورين، أعني تكرر المشاهدة ومقارنة القياس الخفي، فإنه يقال في القياس مثلا: هذا المشاهد من الاختلاف في نور القمر لو كان بالاتفاق أو بأمر خارج سوى الشمس لما استمر على نمط واحد على طول الزمن، ولما كان على هذه