التي يختص بها بعض عباده، كموهبة حسن البيان أو الخطابة أو التصوير أو التمثيل... وما إلى ذلك مما يتعلق بالفنون الجميلة وغيرها.
ومن أجل هذا الاختصاص الرباني اعتبر الشعراء نوابغ البشر. وقد وجدنا العرب كيف كانت تعتز بشعرائها، فإذا نبغ في قبيلة شاعر أقاموا له الاحتفالات وتهنئها به القبائل الأخرى. ولو كان يتمكن أكثر الناس من أن يكونوا شعراء لما صحت منهم هذه العناية بشاعرهم ولما عدوه نبوغا.
غير أن هذه الموهبة - كسائر المواهب الأخرى - تبدأ في تكوينها في النفس كالبذرة لا يحس بها حتى صاحبها، فإذا اكتشفها صاحبها من نفسه صدفة وسقاها بالتعليم والتمرين تنمو وتستمر في النمو حتى قد تصبح شجرة باسقة تؤتي اكلها كل حين. ولكن اكتشاف الموهبة ليس بالأمر الهين وقد يكتشفها الغير العارف قبل صاحبها نفسه. وقد تذوي وتموت المواهب في كثير من النفوس إذا اهملت في السن المبكر لصاحبها.
صلة الشعر بالعقل الباطن:
والحق أن الشاعر البارع - كالخطيب البارع - يستمد في إبداعه من عقله الباطن اللاشعوري، فيتدفق الشعر على لسانه كالإلهام من حيث يدري ولا يدري، على اختلاف عظيم للشعراء والخطباء في هذه الناحية.
وليس الشعر والخطابة كسائر الصناعات الأخرى التي يبدع فيها الصانع عن روية وتأمل دائما. وإلى هذا أشار صحار العبدي، لما سأله معاوية: ما هذه البلاغة فيكم؟ فقال: " شئ يختلج في صدورنا فتقذفه ألسنتنا كما يقذف البحر الدرر " (1) وهذه لفتة بارعة من هذا الأعرابي أدركها بفطرته وصورها على طبع سجيته.
ومن أجل ما قلناه من استمداد الشاعر من منطقة اللاشعور تجده