والخلاصة: أنه لولا قلة التمييز وضعف الانتباه والقصور الذهني لما تحققت مغالطة ولما تمت لها صناعة.
ومن سوء الحظ أن البشر مرتكس إلى قمة رأسه بالمغالطات والخلافات، بسبب القصور الذهني العام الذي لا يكاد يخلو منه إنسان - ولو قليلا - إلا من خصه الله تعالى برحمته من عباده الصالحين الذين هم في الناس كالنقطة في البحر الخضم. * (إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) *.
- 2 - أغراض المغالطة (1) والمغالطة بمعنى تعمد تغليط الغير قد تقع عن قصد صحيح لمصلحة محمودة، مثل اختباره وامتحان معرفته، فتسمى " امتحانا " أو مدافعته وتعجيزه إذا كان مبطلا مصرا على باطله، فتسمى " عنادا " (2).
وقد تقع عن غرض فاسد، مثل الرياء بالعلم والمعرفة والتظاهر في حبهما، ومثل طلب التفوق على غيره.
والذي يدفع الإنسان إلى هذا الرياء وطلب التفوق شعوره بالنقص من الناحية العلمية، فيريد في دخيلة نفسه أن يعوض عن هذا النقص، وإذ يعرف من نفسه العجز عن التعويض بالطريق المستقيم وهو التعلم والمعرفة الحقيقية يلتجئ إلى التظاهر بما يسد نقصه بزعمه.
وهو في هذا يشبه من يريد أن يستر نقصه في منزلته الاجتماعية بطريق التكبر والتعاظم، أو يستر نقصه في عيوبه الأخلاقية بالطعن في الناس وغيبتهم.