المنشئ للفعل إلى ذلك الفعل لا نسبه القابل المستكمل بكمال إلى ذلك الكمال وانما الحاجة في الابصار إلى وجود هذه الاله العضوية والى وجود الصورة الطبيعية ووضع مخصوص بينهما وعدم امر حاجز بينهما وغير ذلك من الشرائط ليست لان مطلق الابصار لا يتحقق الا بهذه الشرائط والا لما يتحقق الابصار في حاله النوم أو نحوه بل تلك لأجل ان النفس في أوائل الفطرة ضعيفه الوجود غير مستغنية القوام في وجودها عن مادة بدنية وكذا في ادراكاتها فكما ان وجودها غير وجود البدن وان افتقرت إليه في الوجود فكذلك ادراكها البصري ليس بهذا العضو وان افتقرت إليه في الابصار وكما أن لها ان تستغنى عن هذا البدن الطبيعي عند استكمالها ضربا من الاستكمال فكذلك لها أيضا في أن تدرك الأشياء ادراكا جزئيا بصريا أو نحوه ان تستغنى عن هذه الأعضاء وانفعالاتها.
وبالجملة قد أوضحنا هذه المسألة حق ايضاحها كما سيجئ ذكرها في مباحث علم النفس بحيث لم يبق ريب لمن كان منصفا ذا قلب ذكى ان الابصار يتحقق بدون الاله وانفعالها وبدون انفعال النفس أيضا لكونها فاعله للصور المبصرة لا قابله إياها.
فإذا ثبت ذلك من أن النفس المجردة عن عالم الطبيعة تدرك الصور الجزئية المبصرة ببصرها الخاص الذي هو عين ذاتها فعلم أن مطلق الابصار من عوارض الموجود بما هو موجود ولا يوجب تجسما ولا انفعالا وتغيرا وهو كمال وفقدانه نقص فالواجب جل ذكره أولى بذلك الكمال كما علمت وكذا الكلام في السمع فان الذي اشتهر بين الناس ان السمع انما يحصل بقرع أو قلع عنيفين ولا بد فيه من تموج الهواء الواصل إلى عضو غضروفي في باطنه عصب مفروش يؤثر فيه وصول الهواء المتموج فتنفعل منه النفس فتتنبه بالأصوات والحروف والكلمات وتدركها ليس كما قرروه و