بالحكمة الإلهية ان يعلم أن للموجودات مراتب في الموجودية وللوجود نشأت متفاوتة بعضها أتم وأشرف وبعضها انقص وأخس كالنشأة الإلهية والعقلية والنفسية والطبيعية ولكل نشأة احكام ولوازم تناسب تلك النشأة ويعلم أيضا ان النشأة الوجودية كلما كانت ارفع وأقوى كانت الموجودات فيها إلى الوحدة والجمعية أقرب وكلما كانت انزل واضعف كانت إلى التكثر والتفرقة والتضاد أميل فأكثر المهيات المتضادة في هذا العالم الطبيعي وهو انزل العوالم غير متضادة في العالم النفساني كالسواد والبياض وكالحرارة والبرودة فان كل طرفين من هذه الأطراف متضادان في هذا الوجود الطبيعي غير مجتمعين في جسم واحد لقصورهما عن الجمعية وقصور الجسم الطبيعي عن قبولهما معا في زمان واحد وهما معا موجودان في خيال واحد وكذا المختلفات في عالم النفس متفقه الوجود في عالم العقل كما قال معلم الفلاسفة في اثولوجيا ان الانسان الحسى صنم للانسان العقلي والانسان العقلي روحاني وجميع أعضائه روحانية ليس موضع العين فيه غير موضع اليد ولا مواضع الأعضاء كلها مختلفه لكنها كلها في موضع واحد انتهى فإذا كان هذا هكذا فما ظنك بالعالم الربوبي والنشأة الإلهية في الجمعية والتأحد فجميع الأشياء هناك واحد وهو كل الأشياء بوحدته من غير ما يوجب اختلاف حيثية.
ويؤيد هذا المطلب ما قاله فيه أيضا واما العقل فان الفضائل فيه جميعا دائما لا حينا موجودة وحينا غير موجودة بل فيه ابدا وهي وان كانت دائمه فإنها فيه مستفادة من اجل ان العقل انما يفيدها من العلة الأولى واما العلة الأولى فان الفضائل فيها بنوع أعلى لا انها بمنزله الوعاء للفضائل لكنها هي الفضائل كلها غير أن الفضائل تنبع منها من غير أن تنقسم (1) ولا تتحرك ولا تسكن في مكان ما