بل هي آنية تنبجس منها الآنيات والفضائل فإنها موجودة في كل الآنيات على نحو قوة الآنية (1) وذلك أن العقل يقبلها أكثر من قبول النفس والنفس تقبلها أكثر من قبول الأجرام السماوية والأجرام السماوية تقبلها أكثر من قبول الأجرام الواقعة تحت الكون والفساد وذلك أن المعلول كلما بعد عن العلة الأولى وكانت المتوسطات أكثر كان من العلة الأولى أقل قبولا.
وقال في موضع آخر منه الواحد المحض هو علة الأشياء كلها وليس كشئ من الأشياء بل هو بدء الأشياء وليس هو الأشياء بل الأشياء كلها فيه وليس هو في شئ من الأشياء وذلك أن الأشياء كلها انما انبجست منه وبه ثباتها وقوامها واليه مرجعها فان قال قائل كيف يمكن ان يكون الأشياء من الواحد المبسوط الذي ليس فيه ثنوية ولا كثره بجهة من الجهات قلت لأنه واحد محض مبسوط ليس فيه شئ من الأشياء فلما كان واحدا محضا انبجست منه الأشياء كلها وذلك أنه لما لم يكن له هويه انبجست منه الهويات.
قال وأقول واختصر القول انه لما لم يكن شيئا من الأشياء رأيت الأشياء كلها منه غير أنه وان كانت الأشياء كلها انما انبجست منه فان الهوية الأولى أعني به هويه العقل هي التي انبجست منه أولا بغير وسط ثم انبجست منه هويات جميع الأشياء التي في العالم الاعلى والعالم الأسفل بتوسط هويه العقل والعالم العقلي انتهى كلامه.
وقال أيضا ان في العقل الأول جميع الأشياء وذلك لان الفاعل الأول أول فعل فعله هو العقل فعله ذا صور كثيره وجعل في كل صوره منها جميع الأشياء التي تلائم تلك الصورة وانما فعل الصورة وحالاتها معا لا شيئا بعد شئ بل كلها معا وفي دفعه واحده وذلك أنه أبدع الانسان العقلي وفيه جميع صفاته الملائمة له ولم يبدع بعض صفاته أولا وبعضها آخرا كما يكون في الانسان الحسى لكنه أبدعها كلها معا في دفعه واحده.