بل من حيث ذاتها وتعلم أن العالم الربوبي عظيم جدا وتعلم أنه فرق بين ان تفيض عن الشئ صوره من شانها ان تعقل وان تفيض عن الشئ صوره معقولة من حيث هي معقولة بلا زيادة وهو يعقل ذاته مبدء لفيضان كل معقول من حيث هو معقول معلول كما هو مبدء لفيضان كل موجود من حيث هو موجود معلول ثم تجتهد في تأمل الأصول المعطاة والمستقبلة ليتضح لك ما ينبغي ان يتضح انتهى ما ذكر.
وفيه أمور مستقيمة شريفة وأمور متزلزلة وكلما يستقيم فيه ويصح من المقدمات التي يستنتج منها كون الأول عاقلا للأشياء قبل وجودها وان الموجودات حاصله عنده تعالى بصورها العقلية قبل وجودها فهي مشتركة بين اثبات الصور المفارقة الإفلاطونية وبين اثبات الصور الموجودة عنده في ذات الأول من كون عقله تعالى لذاته علة عقله لها وان كثرتها كثره بعد الذات الأحدية وانها صادره عنه على الترتيب السببي والمسببي (1) وان حيثية كونها معقولة له تعالى بعينها حيثية صدورها عنه (2) بلا اختلاف جهة وانها ليست مما عقلت فوجدت أو وجدت فعقلت بل وجدت معقولة وعقلت موجودة وان كمال الأول ومجده في أن ذاته بحيث يصدر عنه هذه الأشياء لا في نفس حصولها له فعلوه ومجده بذاته لا بتلك الصور العقلية إلى غير ذلك وكلما يسلك بها طريق الارتسام فهي متزلزلة كما ستعلم فيما بعد.
ثم من العجب ان الذين جاؤوا بعد الشيخ وحاولوا القدح في هذا المذهب لم يقدروا عليه ولم يأتوا بشئ الا وقد نشأ من قلة تدبرهم في كلامه أو من قصور