فللسلطة الإسلامية العليا إذن حق الطاعة والتدخل، لحماية المجتمع وتحقيق التوازن الإسلامي فيه، على أن يكون هذا التدخل، لحماية المجتمع وتحقيق التوازن الإسلامي فيه، على أن يكون هذا التدخل ضمن دائرة الشريعة المقدسة. فلا يجوز للدولة أو لولي الأمر أن يحلل الربا، أو يجيز الغش، أو يعطل قانون الإرث، أو يلغي ملكية ثابتة في المجتمع على أساس إسلامي.. وإنما يسمح لولي الأمر في الإسلام، بالنسبة إلى التصرفات والأعمال المباحة في الشريعة أن يتدخل فيها، فيمنع عنها أو يأمر بها وفقا للمثل الإسلامي للمجتمع (1). فإحياء الأرض، واستخراج المعادن، وشق الأنهار، وغير ذلك من ألوان النشاط والاتجار.. أعمال مباحة سمحت بها الشريعة سماحا عاما ووضعت لكل عمل نتائجه الشرعية التي تترتب عليه، فإذا رأى ولي الأمر أن يمنع عن القيام بشيء من تلك التصرفات أو يأمر به، في حدود صلاحياته.. كان له ذلك، وفقا للمبدأ الآنف الذكر.
وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وآله - يطبق مبدأ التدخل هذا حين تقضي الحاجة ويتطلب الموقف شيئا من التدخل والتوجيه. ومن أمثلة ذلك ما جاء في الحديث الصحيح - عنه صلى الله عليه وآله - من أنه قضى بين أهل المدينة في مشارب النخل: إنه لا يمنع نفع الشيء. وقضى بين أهل البادية: إنه لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلاء، وقال لا ضرر ولا ضرار (2). فإن من الواضح لدى الفقهاء: أن منع نفع الشيء أو فضل الماء، ليس محرما بصورة عامة في الشريعة المقدسة. وفي هذا الضوء نعرف: أن النبي لم يحرم على أهل المدينة منع نفع الشيء، أو منع فضل الماء بصفته رسولا عن تنظيم الحياة الاقتصادية للمجتمع وتوجيهها توجيها لا يتعارض مع المصلحة العامة التي قدرها. وقد يكون هذا هو السبب الذي جعل الرواية تعبر عن تحريم النبي (ص): بالقضاء لا بالنهي، نظرا إلى أن القضاء لون من الحكم (3).