هذا كله فيما اعتبر فيه العلية والوصف، وأما ما لم يعتبره الشارع فهو أيضا قسمان: قسم علم أن الشارع ألغاه ولم يعتبره فيكون من باب اعتبار العدم، وهذا لا شك في أنه ليس بحجة عند الجميع وبالإجماع، وقسم لم يعلم اعتبار الشارع له من باب عدم الاعتبار، وهذا يسمى بالمصالح المرسلة، وهذا معتبر عند الكثير من إخواننا أهل السنة والجماعة، وقبل بيان صحة اعتباره أو فساد اعتباره لزم علينا استعراض ما حدد به المعتبرون، فقد عرفه بعض الكتاب من أساتذة العصر الحديث بأنه المصلحة التي لم يشرع الشارع حكما لتحقيقها، ولم يدل دليل شرعي على اعتبارها أو إلغائها، وعرفه آخر بأنه نوع من الحكم بالرأي المبني على المصلحة، وذلك في كل مسألة لم يرد في الشريعة نص عليها، ولم يكن لها في الشريعة أمثال تقاس بها، وإنما بين الحكم فيها على ما في الشريعة من قواعد عامة برهنت على أن كل مسألة خرجت عن المصلحة ليست من الشريعة في شئ، وتلك القواعد العامة هي مثل قوله تعالى: * (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) * (1)، وقوله عليه الصلاة والسلام: " لا ضرر ولا ضرار ". (2) فعلى التحديد الأول، لا إشكال في عدم اعتباره عند الشيعة، لأنه من التشريع الباطل وقول بالرأي المحض في دين الله، ودين الله لا يصاب بالعقول، فالاستصلاح أو المصالح المرسلة إدخال ما ليس من الدين في الدين.
أما على التحديد الثاني فبالنظر إلى قوله: " لم يرد في الشريعة نص عليها " إن أريد به فقد النص بصورة نهائية عامة وخاصة، فهو والتحديد الأول سواء سواء، وبالنظر إلى قوله: " وإنما بين الحكم فيها على ما في الشريعة من قواعد عامة "، إلى