حكمه بقبح الظلم وحسن الاحسان، فهنا ونحن نرجع إلى حكم العقل وقضائه نراه يحكم بلا تردد ويقضي بلا ترتب في اختيار أهمهما إن اتضح الأهم وإلا فالتخير إن كانت المساواة، ونكر ثانيا إلى حكم الشرع فنراه وحكم العقل سواء بسواء، فما هذا وأمثاله من الأخذ بالرأي بشئ إنما هو حكم العقل القطعي الذي لا شك فيه مؤيدا بتقرير الشرع الذي لا ريب يعتريه.
أما الرجوع إلى تطبيق الأدلة من القضايا العامة على مصاديقها الخاصة من مثل قوله تعالى: * (وما جعل عليكم في الدين من حرج) * (1) ومن مثل قوله (صلى الله عليه وآله): " لا ضرر ولا ضرار " فهذا أيضا ليس من الاستصلاح أو المصالح المرسلة - إن جعلناها أخذا بالرأي - في قليل ولا كثير، ذلك أنه أخذ بالدليل الشرعي ورجوع إلى الكتاب أو السنة في نصهما الصريح، ولمثل هذه النصوص العامة - من قاعدتي الحرج والضرر - ببركة فتح باب الاجتهاد على مصراعيه عند الشيعة - مجال متسع للباحثين، وبحوث واسعة النطاق للمستنبطين، وقد كونت للفقه والفقهاء ثروة علمية واسعة المدى إلى حد بعيد أغنتهم عما افتقر إليه غيرهم من قياس، أو مصالح مرسلة، أو استحسان، أو أخذ بالرأي الذي ما أنزل الله به من سلطان، وهو في الواقع خروج عن حدود الشريعة بمعناها الصحيح، ولما ألبسوه لهذه القواعد وأسبغوه عليها من صفات حلول لمشاكل عند غيرهم كانت مغلقة ولا تزال مغلقة الأبواب ذلك ما اصطلحوه فيما استنبطوه في رأيهم الثاقب السديد، ذلك هو ما سموه ب " الحكومة " حيث ذكروا فيما حرروا أن لهذه القواعد حكومة على سائر الأدلة المثبتة لسائر الأحكام من وضعيات أو تكاليف، فلم يضيقوا ذرعا بمعارضة هذه القواعد لما سواها من النصوص، إذ لا معارضة هناك، فكأن لسان جعلها الشرعي يقول: إن ما جعلته من