الأحكام الأولية مرفوع عن المكلفين، إن حصل منه حرج أو ضرر فالحرج أو الضرر رافعان للأحكام إن حصل منها ضرر أو حرج، فهذه القواعد قد شرحت كيفية جعل الأحكام أو كميتها على المكلفين بلسان الحال، وهذه هي الحكومة التي سمعتها من قبل وأبصرتها على سبيل الاجمال، وكم وكم قد وسعت في أبواب الفقه على هذه الطائفة بحوثا ضاقت على غيرهم من الباحثين.
هنا وقد أعطينا هذا الموضوع حقه أو بعض حقه بما يتناسب واختصار هذا الكتاب، فلننقل خطى الأقدام أو خطوة الاقدام إلى شئ آخر من المصطلحات:
منها: ما يسمى بتنقيح المناط، ومنها: ما يسمى بتخريج المناط، ومنها: ما يسمى بتحقيق المناط، وبيان ذلك كله: هو أن الحكم الجامع بين الأصل والفرع قد يكون بإلغاء الفارق بينهما، كما يقال: لا فرق بين الأصل والفرع إلا كذا وكذا، وكل واحد منهما لا تأثير له في الحكم فيشترك الحكم بينهما، وهذا هو المسمى بتنقيح المناط، ويسمى بالاستدلال في عرف الحنفية. أما إذا كان الجامع الوصف المستنبط فإثبات الحكم في الأصل معللا به يسمى تخريج المناط، وإثبات الوصف المستنبط في الفرع يسمى تحقيق المناط، وقد قالوا: إن الأول يرجع إلى السير والتقسيم، وإبطاله يستلزم إبطاله فهما سواء بسواء.
ومنها: ما يسمى بالنقض، وهو عبارة عن وجود الوصف المدعى كونه علة للحكم منفكا عن ذلك الحكم، وقد اختلف في ذلك، فزعم قوم أنه يقدح في علية الوصف مطلقا، سواء أكانت العلة منصوصة أم كانت مستنبطة، وهذا مذهب أكثر أصحاب أبي حنيفة وأحمد.
وقال آخرون: إنه لا يقدح مطلقا، يعني في العلة المنصوصة والعلة المستنبطة.