هذا حفظا لرفعة مقام الواعظ وجلالة قدر الواعظين، ولكن هذه ملحوظة قد نقول إنها ترفع إن أعطينا النظر حقه من التأمل والإمعان، فأي ضرر يلحق الواعظ الصادق والمرشد الناصح إذا لم يلاق قبولا ولم يصادف قلوبا واعية وآذانا صاغية، وهو لم يأل جهدا في جهاد، ولم يقصر حسب طاقته عن نصح وإرشاد، وأي عار على المخلصين إذا لم تخلص إليهم الأفئدة والقلوب؟ وما ذلك لهم تحت الاختيار، وليس التشبيه يقتضي حفظ المشبه به بالمشبه من جميع الجهات، بل جهة واحدة تكفي لصحة التشبيه، فالصورة التي استبشعها شيخنا في مقام التشبيه هي أبلغ صورة في التشبيه.
وبعد، فإن سنة الكون الطبيعية المطردة جرت في كل أعمال البشرية أن لا تأخذ آثارها فتفوز بنصيب من النجاح إلا حيث يتكافأ الفاعل والقابل، فالفاعل لا يؤثر أثره المطلوب إن لم يقع من القابل قبول المحبوب، وهذا الأمر جار في كل عمل باطراد، فالزارع الذي يلقي بذره في أرض سبخة هو غير الزارع الذي يلقي بذره في أرض طيبة، فذلك لا يرجو ثمارها واستثمارها ولا ضير عليه غير أن الأرض فاقدة للاعداد والاستعداد، وهذا يستثمرها في كل حال، وما ذلك إلا لأن الأرض تأتي ثمرها كل حين بإذن ربها والله يضرب الأمثال.
وثانيتهما: - أعني ثاني الملحوظتين - أن المثل لا ينطبق على الممثل به تمام الانطباق، وذلك لأن الناعق بالأغنام ناجح في أغلب الأحوال، وواعظ الكافرين لا ينجح في حال من الأحوال. وهذه ملحوظة عرفت جوابها في طي جواب الملحوظة الأولى، وهي أن التشبيه لا يقتضي وقوع المشابهة بين المشبه والمشبه به من جميع الجهات، بل جهة واحدة تكفي عن كثير من الجهات.
وربما يضاف إلى هاتين الملحوظتين ملحوظة أخرى: هي أن هذا الوجه