يقتضي تقديرا، والأصل عدم التقدير، وهذه ملحوظة خفيفة المؤنة بعد أن عرفنا أن التقدير لا بد منه إذا اقتضاه المقام ودل الدليل عليه، ولا سيما والمقام مقام ساقت الآية فيه بيان دعوة الداعي إلى الكفار، وما أجاب به الكفار دعوة الداعين.
الوجه الثاني: أن يكون المعنى: ومثل الذين كفروا كمثل الغنم التي لا تفهم نداء الناعق، فأضاف الله تعالى المثل الثاني إلى الناعق وهو في المعنى مضاف إلى المنعوق به على مذهب العرب في قولهم: طلعت الشعرى، وانتصب العود على الحرباء، والمعنى: وانصب الحرباء على العود، وجاز التقديم والتأخير لوضوح المعنى. انتهى.
كأن السيد الشريف (قدس سره) في هذا الوجه يريد أن يجعل الآية الكريمة جارية على ما جرى عليه العرب من نوع الاستعمال المعبر عنه بالقلب، وقد مر عليك في عهد قريب واستشهدنا عليه من شعر العرب بالشئ الكثير، والسيد الشريف أضاف إلى ذلك شواهد أخرى لا نرانا بحاجة إلى أن نطيل بها المقام.
الوجه الثالث: أن يكون المعنى: ومثل الذين كفروا ومثلنا، أو مثلهم ومثلك يا محمد، كمثل الذي ينعق، أي مثلهم في الاعراض ومثلك في الدعاء والتنبيه والارشاد كمثل الناعق بالغنم، فحذف المثل الثاني اكتفاء بالأول، ومثله قوله تعالى:
* (وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر) * (1) أراد الحر والبرد فاكتفى بذكر الحر عن البرد.
وقال أبو ذؤيب: (2) عصيت إليها القلب اني لأمرها * مطيع فما أدري أرشد طلابها