لقد طالما ثبطتني عن صحابتى * وعن حوج قضاؤها من شفائيا " وحوائج غير قياسي "، وهو رأى الأكثر " أو مولدة "، وكان الأصمعي ينكره ويقول: هو مولد: قال الجوهري، وإنما أنكره بخروجه عن القياس، وإلا فهو في كثير من كلام العرب، وينشد:
نهار المرء أمثل حين تقضى (1) * حوائجه من الليل الطويل " أو كأنهم جمعوا حائجة "، ولم ينطق به قال ابن برى، كما زعمه النحويون، قال: وذكر بعضهم أنه سمع حائجة لغة في الحاجة، قال: وأما قوله: إنه مولد، فإنه خطأ منه، لأنه قد جاء ذلك في حديث سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وفي أشعار العرب الفصحاء.
فمما جاء في الحديث، ما روى عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن لله عبادا خلقهم لحوائج الناس، يفزع الناس إليهم في حوائجهم، أولئك الآمنون يوم القيامة " وفي الحديث أيضا أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: " اطلبوا الحوائج عند (2) حسان الوجوه " وقال صلى الله عليه وسلم " استعينوا على نجاح الحوائج بالكتمان لها ".
ومما جاء في أشعار الفصحاء قول أبي سلمة المحاربى:
ثممت حوائجى ووذأت بشرا * فبئس معرس الركب السغاب (3) وقال الشماخ:
تقطع بيننا الحاجات إلا * حوائج يعتسفن مع الجرئ وقال الأعشى:
الناس حول قبابه * أهل الحوائج والمسائل وقال الفرزدق:
ولى ببلاد السند عند أميرها * حوائج جمات وعندي ثوابها وقال هميان بن قحافة:
حتى إذا ما قضت الحوائجا * وملأت حلابها الخلانجا قال ابن برى: وكنت قد سئلت عن قول الشيخ الرئيس أبي محمد القاسم بن على الحريرى في كتابه درة الغواص: إن لفظة حوائج مما توهم في استعمالها الخواص، وقال الحريرى: لم أسمع شاهدا على تصحيح لفظة حوائج إلا بيتا واحدا لبديع الزمان، وقد غلط فيه، وهو قوله:
فسيان بيت العنكبوت وجوسق * رفيع إذا لم تقض فيه الحوائج فأكثرت الاستشهاد بشعر العرب والحديث، وقد أنشد أبو عمرو بن العلاء أيضا:
صريعى مدام ما يفرق بيننا * حوائج من إلقاح مال ولا نخل وأنشد ابن الأعرابي أيضا:
من عف خف على الوجوه لقاؤه * وأخو الحوائج وجهه مبذول وأنشد ابن خالويه:
خليلي إن قام الهوى فاقعدا به * لعنا نقضى من حوائجنا (4) رما قال: ومما يزيد ذلك إيضاحا ما قاله العلماء، قال الخليل في العين في فصل راح: يقال: يوم راح " وكبش ضاف على التخفيف من رائح " وضائف " بطرح (5) الهمزة وكما خففوا الحاجة من الحائجة،