فداروا أمرهم بإظهار الاسلام، وإبطان الكفر - على أن يكيدوا ويمكروا بالمسلمين، كلما سنحت لهم الفرصة لذلك.
هكذا استدل البعض لاثبات عدم وجود منافقين بين المسلمين الأولين.
ولكنه كما ترى كلام لا يصح.
وذلك لان النفاق في مكة كانت له أسبابه، ومبرراته، ومناخاته، ونذكر هنا ما يلي:
أولا: إن أسباب النفاق لا تنحصر فيما ذكر، من الرغبة والرهبة لذي الشوكة، ومنه، إذ أننا كثيرا ما نجد في المجتمعات فئات من الناس مستعدة لقبول أية دعوة، إذا كانت ذات شعارات طيبة، تنسجم مع أحلامهم، وآمالهم، وتعدهم بتحقيق رغائبهم، وما تصبو إليه نفوسهم.
فيناصرونها، رغم أنهم في ظل أعتى القوى وأشدها طغيانا، وهم في غاية الضعف والوهن يعرضون أنفسهم لكثير من الاخطار، ويحملون المشاق والمصاعب من أجلها وفي سبيلها. كل ذلك رجاء أن يوفقوا يوما ما لتحقيق أهدافهم، والوصول إلى مأربهم، التي يحلمون بها، كالعلو في الأرض، والحصول على الثروات، والجاه العريض، وغير ذلك.
إنهم يقدمون على كل هذا، مع أنهم ربما كانوا لا يؤمنون بتلك الدعوة إلا بمقدار إيمانهم بضرورة الحصول على تلك المآرب والأهداف الانفة الذكر.
ومن الواضح أن المنافق الطامع الذي من هذا القبيل يكون - فيما لو نجحت الدعوة - أشد خطرا على تلك الدعوة من أعتى أعدائها؟ لأنه إذا وجد أن الدعوة لا تستطيع أن تمنحه كل ما يريد - ولو لاقتضاء المصلحة لذلك، فإنه سوف يمكر ويغدر، (1) كما. أنه يكون هو الأقدر على