الصحيح من سيرة النبي الأعظم (ص) - السيد جعفر مرتضى - ج ٤ - الصفحة ٣٢٠
ومن هنا، فإننا نجد الاسلام يحارب المنكر حتى إعلاميا بكل قوة، فيمنع حتى من غيبة غير المتجاهر بالمنكر كي لا يعتاد الناس على سماع خبر المنكر والانحراف، وتأنس أذهانهم به، وبعد ذلك يسهل عليهم ارتكابه وممارسته. ولا يريد أن تمر حتى صورة المنكر في أذهانهم كي لا تترك أثرا يرغب الاسلام في الابتعاد عنه، فضلا عن ممارسة المنكر نفسه.
وليتأمل قليلا في إطلاق لفظ المنكر على مثل هذه الأمور الضارة، فإن الاسلام يريد للناس أن ينكروها، وأن لا يعرفوها، كما أنه حين يمنع من غيبة غير المتجاهر، فلأنه يريد أن يمنح ذلك المرتكب للمنكر فرصة للتخلي عن سيئته تلك، ويهيئ له الجو الاجتماعي المناسب لنمو شخصيته، والاحتفاظ بعزله وكرامته، إلى غير ذلك مما لسنا بصدد بيانه فعلا.
وبعد ما تقدم، فإنه إذا كان ضرر الانحراف لا يقتصر على نفس من يمارسه، بل يتعداه إلى غيره، فإنه يكون من حق ذلك الغير أن يدفع ذلك الضرر عن نفسه، وهذا ما يحكم به العقل والفطرة، حتى ولو لم يكن ثمة شرع أصلا، ولكن الشرع لم يكتف بالاعتراف بحق الدفاع عن النفس هذا، بل زاد على ذلك، فأوجبه عليه، حين حكم بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كل أحد.
وذلك من أجل الحفاظ عليهم أولا، وحتى لا يتسرب ذلك الانحراف منهم إلى غيرهم ثانيا (1).

(1) وإنما كان لمرتكب المنكر عقاب واحد ولم يعاقب عقابين: أحدهما على المنكر، والآخر على تسببه بالاضرار بالغير، من جهة أنه لم يسلب الآخرين عنصر الاختيار الذي لديهم، كما أنه لم يقصد هو ذلك. فيكون فعله من ممهدات وقوع الغير في المعصية، وليس الجزء الأخير للعلة.
وبإدخال عنصر القصد في المعصية وفي استحقاق العقوبة وعدمه، يعرف الفرق بين ما نحن بصدده، وبين قولهم: من سن سنة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة، فعليه وزرها ووزر من عمل بها.
(٣٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 315 316 317 318 319 320 321 322 323 324 325 ... » »»
الفهرست