ومن تلك الجملة:
أن الفاضل الدواني ذكر في رسالة خلق الأعمال مقتديا بأصحابه الأشاعرة: أن اضطرار العبد في أفعاله يلزم المعتزلة، لأن مبادئ أفعاله من التصور والتصديق بفائدته وإرادة إيجاده صادرة عنه تعالى وعند حصولها يجب صدور الفعل عنه (2).
وأنا أقول: هو خيال ضعيف. وذلك، لأن الذي تسلمه المعتزلة هو أن المبادئ المشتركة بين قلبي الصالح والطالح فائضة منه تعالى، ثم المبادئ المنتهية إلى صدور الفسق بعينه أو المنتهية إلى صدور الكف عنه صادرة من العبد عندهم بإيجاب اختياري أي مستند إلى الداعي *.
وبالجملة، إرادة القبيح قبيحة عقلا وشرعا عند المعتزلة وهي من جملة المبادئ، فكيف يسلمون أن مبادئ أفعال العباد كلها فائضة منه تعالى على النفوس الناطقة؟
وتوضيح المقام أن نقول: تخلف فعل العبد عن إرادته وتخلف إرادته عن العلم بالعلة الغائية ممتنعان، لأجل أن العبد عند العلم بالعلة الغائية يريد البتة وعند الإرادة يفعل البتة، لا أنه يفعل البتة لامتناع التخلف، حتى يلزم الاضطرار، نظير ذلك علمه تعالى في الأزل بفعل العبد في وقت معين، فإنه تعالى علم لأجل أنه يفعل العبد، لا أ نه يفعل العبد لأجل أنه تعالى علم. وبوجه آخر: المفروض أنه تعلق إرادة العبد بأحد طرفي فعله لأجل الداعي. ومن المعلوم: أنه لا إلجاء حينئذ، ضرورة أن التمكن من الطرفين وهو معنى القدرة موجود حينئذ.
____________________
* لو كان مجرد تصور الفعل من العبد والتصديق بفائدته والقدرة عليه المفروض أن ذلك كله من الله - سبحانه - موجبا للزوم إيجاد الفعل كان كلام الأشاعرة له وجه. وأما إذا لم يكن كذلك بل يكون العبد مع حصول هذه الأشياء قادرا على الفعل والترك فهو معنى الاختيار، فظهر عدم الإلزام واستغنى عن طول الكلام.