ثم قال أدام الله أيامه:
واستدل على اشتراط التعدد في التزكية بأمرين:
الأول: أن الإخبار بعدالة الراوي شهادة فلابد فيها من العدلين.
وجوابه: أما أولا: فبمنع الصغرى، فإنها غير بينة ولا مبينة، وهلا كانت التزكية كأغلب الأخبار في أنها ليست شهادة، كالرواية، وكنقل الإجماع، وتفسير مترجم القاضي، وإخبار المقلد مثله بفتوى المجتهد، وقول الطبيب بإضرار الصوم بالمرض، وإخبار أجير الحج بإيقاعه، وإعلام المأموم الإمام بوقوع ما شك فيه، وإخبار العدل العارف بالقبلة الجاهل بالعلامات، إلى غير ذلك من الأخبار التي اكتفوا فيها بخبر الواحد.
وأما ثانيا: فبمنع كلية الكبرى والسند قبول شهادة الواحد في بعض المواد عند بعض علمائنا - رضوان الله تعالى عليهم - بل شهادة المرأة الواحدة في بعض الأوقات عند أكثرهم (1) انتهى كلامه.
وأنا أقول: كلام العلامة ومن تبعه في العمل بخبر الواحد العاري عن القرينة الموجبة لأحد القطعين المتقدمين جرى بأن لا يلتفت إلى أحكامه. ولكن لما وجب علي إظهار الحق بقدر ما وفقني ربي ودلني عليه أئمتي - صلوات الله عليهم - ولم يمكن تحصيل ذلك الغرض إلا بذلك اشتغلنا به.
____________________
أصل التكليف فلا يمنع العقل من اختصاص الأئمة (عليهم السلام) بعلمها من الرسول (صلى الله عليه وآله) ولم يطلع عليها أحد غيرهم، كما هو الواقع. وأما ما عدا ذلك فالناس فيه سواء في فهمه من القرآن والحديث إذا كان معناه واضحا جليا لا خفاء فيه يخرج إلى سؤال، وما كان مشتبها فلا شك عندنا في وجوب الرجوع فيه إلى آثارهم (عليهم السلام) فإن تعذر تعين الرجوع إلى أصولهم وقواعدهم في الاستنباط لئلا تتعطل الأحكام الشرعية مع الحاجة إليها، والعقل والحكمة يقضيان بالرجوع إلى الظن عند تعذر العلم، وقد ثبت ذلك من الشرع في أماكن عديدة.