ونقول ثانيا: العجب كل العجب! من العلامة ومن تبعه حيث جعلوا باب رواية أحكام الله تعالى أهون وأسهل من باب الإخبار عما عداها من الوقائع الجزئية، فاعتبروا في الشهادة وفي تزكية الشاهد عدلين، واكتفوا في الرواية وفي تزكية الراوي بعدل واحد، مع أن مقتضى العقل والنقل أيضا عكس ذلك.
أما العقل: فلأنه لولا اعتبار الظن في كثير من الوقائع الجزئية للزم الحرج البين الواضح، بل التكليف بما لا طاقة لنا به، بخلاف أحكامه تعالى فإنه لا حرج لو اعتبر فيها أحد القطعين أو التوقف إلى أن يظهر الحق كما حققناه سابقا.
وأما النقل: فواضح عندك من الأحاديث التي تقدمت في كتابنا هذا.
وتحقيق المقام: أن في كل موضع لم يكن حرج في اعتبار اليقين أو التوقف فيه - كأحكامه تعالى وكبلوغ المسافة الحد المعتبر شرعا وكدخول وقت الصلاة - اعتبر الشارع فيه أحدهما. وفي كل موضع كان اعتبار أحدهما فيه حرجا اكتفى الشارع فيه بالظن أو بظاهر الحال، كالشهادة وكجهة القبلة وكإخبار الأجير بأنه فعل ما كان واجبا عليه وكإخبار القصار بأنه فعل ما امر به وكالأنساب.
ومن المعلوم: أن في بعض الصور التي ذكرها الفاضل المعاصر لا حرج في اعتبار اليقين أو التوقف، وفي بعضها حرج. ففي الصورة التي اعتبر فيها اليقين لابد فيها من انضمام القرينة المفيدة للقطع وفي غيرها يكفي خبر الواحد ولو لم يكن عدلا *.
____________________
* هذا الأمر الذي ادعى له التوفيق من الله ودلته عليه الأئمة (عليهم السلام) كان ينبغي أن يكون في غاية الظهور وبيان الحق.
فأول ما ينفى ذلك: ادعاؤه، وصرح كون التزكية من قبيل الشهادة، مع أن الواضح خلافه، لامتياز الشهادة ولوازمها عن سائر الأخبار غيرها.
فأول ما ينفى ذلك: ادعاؤه، وصرح كون التزكية من قبيل الشهادة، مع أن الواضح خلافه، لامتياز الشهادة ولوازمها عن سائر الأخبار غيرها.