لا يقال: فإن لم يثبت دلالة على الأكثر فإنه من الممكن أن يكون هناك دليل ولا يلزم من عدم الظفر به عدمه، فكان العمل بالأكثر أحوط.
لأ نا نقول: ذلك الدليل المحتمل لا يعارض الأصل لأ نا قد بينا أن مع تقدير عدم الدلالة الشرعية يجب العمل بالبراءة الأصلية وذلك يرفع ما أومأ إليه من الاحتمال (1) انتهى كلامه أعلى الله مقامه في كتاب الأصول. وقد رجع المحقق عن جواز التمسك بالبراءة الأصلية في غير ما يعم به البلوى في أوائل كتاب المعتبر (2).
وأنا أقول: التمسك بالبراءة الأصلية من حيث هي هي إنما يجوز قبل إكمال الدين، وأما بعد أن كمل الدين وتواترت الأخبار عن الأئمة الأطهار (عليهم السلام) بأن كل واقعة تحتاج إليها الأمة إلى يوم القيامة وكل واقعة تقع فيها الخصمة بين اثنين ورد فيها خطاب قطعي من قبل الله تعالى حتى أرش الكف (3) فلا يجوز قطعا، وكيف يجوز؟ فقد تواترت الأخبار عنهم (عليهم السلام) بوجوب التوقف في كل واقعة لم نعلم حكمها معللين بأنه بعد أن كمل الدين لا تخلو واقعة عن حكم قطعي وارد من الله تعالى (4) وبأن من حكم بغير ما أنزل الله تعالى فأولئك هم الكافرون (5) *.
____________________
* إنا قد بينا فيما سبق: أن البراءة الأصلية من جملة الأدلة الشرعية، لقول الصادق (عليه السلام): " ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم " والمراد بحجبه عدم وصوله إليهم، ومعنى وضعه عنهم أن التكليف به ساقط، فأي دليل أظهر من ذلك.
وأما قوله " تواترت الأخبار بأن كل واقعة تحتاج إليها الأمة ورد فيها خطاب قطعي " إن كان مراده أن لله تعالى فيها حكما فمسلم، ولكن أين وصوله إلينا؟ فإن كتب الأخبار الموجودة أكثر الأحكام ليس فيها ما يدل عليه لا صريحا ولا فحوى، ولو كان الأمر كما يدعيه لما حصل عند أحد من المتقدمين والمتأخرين اشتباه ولا اختلاف. وما أخف على المصنف من ادعاه تواتر الأخبار في كل ما يدعيه! وهذا التواتر لم يطلع عليه غيره من المتقدمين والمتأخرين حتى
وأما قوله " تواترت الأخبار بأن كل واقعة تحتاج إليها الأمة ورد فيها خطاب قطعي " إن كان مراده أن لله تعالى فيها حكما فمسلم، ولكن أين وصوله إلينا؟ فإن كتب الأخبار الموجودة أكثر الأحكام ليس فيها ما يدل عليه لا صريحا ولا فحوى، ولو كان الأمر كما يدعيه لما حصل عند أحد من المتقدمين والمتأخرين اشتباه ولا اختلاف. وما أخف على المصنف من ادعاه تواتر الأخبار في كل ما يدعيه! وهذا التواتر لم يطلع عليه غيره من المتقدمين والمتأخرين حتى