الفوائد المدنية والشواهد المكية - محمد أمين الإسترآبادي ، السيد نور الدين العاملي - الصفحة ٢٧٤
الملوك وأرباب الدول. ولا نظن برئيس الطائفة - قدس الله روحه - أن التوجيهات التي ذكرها بقصد الجمع بين الأحاديث في كتابي الأخبار مبنية على غاية تلك القاعدة، بل قصده (قدس سره) رفع التناقض عن كلام الأئمة الأطهار - صلوات الله عليهم - بطريق العامة مهما أمكن. والسبب في ذلك ما نقله (قدس سره) في أول كتاب تهذيب الأحكام:
من أنه رجع بعض الناس عن الحق إلى مذهب العامة لما وجد الاختلاف بين أحاديث العترة الطاهرة (عليهم السلام) (1). وبهذا التحقيق اندفع اعتراضات المتأخرين عليه بأن كثيرا من توجيهاته بعيدة، والحمل على التقية أقرب منها *.
____________________
* لو كان الجمع بين أحاديث الأئمة (عليهم السلام) أمرا غير راجح وغير مندوب إليه في نفسه لأجل دفع التضاد والتنافي في كلامهم الغير الجائز عليهم (عليهم السلام) لكان الاقتداء بالغير والاتباع له فيه له وجه، وأما إذا كان الأمر على خلاف ذلك وكان الرجحان والاهتمام بذلك أمرا معلوما بنفسه، فما الحاجة فيه إلى اتباع الغير ونسبة فاعله إلى الغفلة عن الفرق؟ وأيضا فإن المفهوم من مطلق التأويل حمل الشيء على غير الظاهر منه لعذر يقتضي ذلك، وهو شامل للحمل على التقية وغيرها، فليس الحمل على التقية أمرا خارجا عن التأويل حتى يكون القائل بتمشيه عندنا أيضا غافلا عن ذلك وعن عدم اتجاه تلك القاعدة عندنا.
وليس الجمع بين الأحاديث المختلفة منحصرا عندنا في الحمل على التقية حتى لا يتحقق التأويل المذكور عندنا - كما توهمه المصنف - بل الظاهر أنه كلما أمكن الجمع والتأويل بوجه صحيح لا يخرج عن مدلول اللفظ عن حكم صاحبه واعتقاده صحته ظاهرا وباطنا يكون ذلك أولى من الخروج عن إرادة مدلوله بحمله على التقية.
وما ذكره من سبب كثرة الغفلة التي نسبها إليهم أنه ألفة أذهانهم من صغر سنهم بكتب العامة ثم ذكر سبب ذلك - إلى آخر كلامه في هذا المعنى - فهو أمر ما عهد من أحد ممن نسبه إليه.
وهذه حال المصنف يدعي على قدر ما يخطر في فكره غافلا أو متيقظا، فهو أحق بنسبة الغفلة إليه (رحمه الله).
وما دفع به اعتراض المتأخرين على الشيخ (رحمه الله) أوله يناقض آخره، لأن كلامه أولا يقتضي أن جمع الشيخ بين الأحاديث بما أولها به كان مبنيا على تلك القاعدة من كلام العامة لدفع

(١) قال: إن أبا الحسين الهروي العلوي كان يعتقد الحق ويدين بالإمامة، فرجع عنها لما التبس عليه الأمر في اختلاف الأحاديث، التهذيب ١: ٢.
(٢٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 ... » »»
الفهرست