ثم أقول: الاشتباه قد يكون في وجوب فعل وجودي وعدم وجوبه مثلا، وقد يكون في حرمة فعل وجودي وعدم حرمته مثلا، وقد جرت عادة العامة وعادة المتأخرين من علماء الخاصة بالتمسك بالبراءة الأصلية في المقامين. ولما أبطلنا جواز التمسك بها لعلمنا بأنه تعالى أكمل لنا ديننا، ولعلمنا بأن كل واقعة تحتاج إليها الأمة إلى يوم القيامة أو تخاصم فيها اثنان ورد فيها خطاب قطعي من الله عز وجل خال عن معارض معادل، ولعلمنا بأن كل ما جاء به نبينا (صلى الله عليه وآله) مخزون عند الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) ولعلمنا بأنهم (عليهم السلام) لم يرخصونا في التمسك بالبراءة الأصلية فيما نعلم الحكم الذي ورد فيه بعينه، بل أوجبوا التوقف في كل ما لم نعلم حكمه بعينه، وأوجبوا الاحتياط أيضا في بعض صوره، فعلينا (١) أن نبين ما يجب أن يعمل به في المقامين، وسنحققه بما لا مزيد عليه إن شاء الله تعالى في الفصل الثامن بتوفيق الملك العلام ودلالة أهل الذكر (عليهم السلام) وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا.
وقد رأيت في المنام واليقظة أبوابا مفتوحة للوصول إلى الحق في هذه المقامات في الحرمين الشريفين، وشاهدت بعين البصر (٢) والبصيرة مصداق قوله تعالى: ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا﴾ (3) والحمد لله تعالى *.
____________________
* إن الاعتماد في مثل هذه المقامات على المنامات دليل ضعف العقل، ولا يليق تصوره بوجه، لأن الإنسان من طبعه إذا كثر عنده الهجس بشيء رآه في منامه خطأ كان أو صوابا، وكثيرا ما يكون ذلك من الشيطان عند الفتنة للعلماء بسبب اعتقاد الكمال والمزية على الغير والعجب بالنفس، ولا يمنع عروض الشيطان مانع من تقوى أو صلاح، فإن فاطمة (عليها السلام) مع شرفها وطهارتها عرض لها الشيطان الأبيض في المنام وأراها ما يكره بصورة اليقظة (4) وهذه الحالة هي المحذر منها للعلماء التي ربما توجب الكفر في بعض الموارد! وادعاء المصنف أنه شاهد ذلك يقظة وتخيل له هذا الأمر حتى اعتقده محسوسا مقرب لما أشرنا إليه.