كتمته حتى من نفسي: أي لم أطلع عليه أحدا، ومعنى الآية أن الله بالغ في إخفاء الساعة، فذكره بأبلغ ما تعرفه العرب. وقد روى عن سعيد بن جبير أنه قرأ " أخفيها " بفتح الهمزة ومعناه أظهرها. وكذا روى أبو عبيد عن الكسائي عن محمد بن سهل عن وفاء بن إياس عن سعيد بن جبير. قال النحاس: وليس لهذه الرواية طريق غير هذا. قال القرطبي: وكذا رواه ابن الأنباري في كتاب الرد قال: حدثني أبي حدثنا محمد بن الجهم، حدثنا الفراء حدثنا الكسائي فذكره. قال النحاس: وأجود من هذا الإسناد ما رواه يحيى القطان عن الثوري عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير أنه قرأ " أخفيها " بضم الهمزة. قال ابن الأنباري: قال الفراء: ومعنى قراءة الفتح أكاد أظهرها، من خفيت الشئ إذا أظهرته أخفيه. قال القرطبي: وقد قال بعض اللغويين: يجوز أن يكون أخفيها بضم الألف معناه أظهرها، لأنه يقال خفيت الشئ وأخفيته من حروف الأضداد يقع على الستر والإظهار. قال أبو عبيدة: خفيت وأخفيت بمعنى واحد. قال النحاس: وهذا حسن، وقد أنشد الفراء وسيبويه ما يد على أن معنى أخفاه أظهر، وذلك قول امرئ القيس:
فإن تكتموا الداء لا نخفه * وإن تبعثوا الحرب لا نقعد أي: وإن تكتموا الداء لا نظهره. وقد حكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب أنه بضم النون من نخفه، وقال:
امرؤ القيس:
خفاهن من أنفاقهن كأنما * خطاهن ودق من غشى مخلب أي: أظهرهن. وقد زيف النحاس هذا القول وقال: ليس المعنى على أظهرها، ولا سيما وأخفيها قراءة شاذة، فكيف ترد القراءة الصحيحة الشائعة. وقال ابن الأنباري: في الآية تفسير آخر، وهو أن الكلام ينقطع على أكاد، وبعده مضمر: أي أكاد آتي بها، ووقع الابتداء بأخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى، ومثله قول عمير ابن ضابئ البرجمي:
هممت ولم أفعل وكدت وليتني * تركت على عثمان تبكي حلائله أي وكدت أفعل، واختار هذا النحاس. وقال أبو علي الفارسي: هو من باب السلب وليس من الأضداد، ومعنى أخفيها: أزيل عنها خفاءها، وهو سترها، ومن هذا قولهم أشكيته: أي أزلت شكواه. وحكى أبو حاتم عن الأخفش أن أكاد زائدة للتأكيد، قال: ومثله - إذا أخرج يده لم يكد يراها - ومثله قول الشاعر:
سريع إلى الهيجاء شاك سلاحه * فما أن يكاد قرنه يتنفس قال: والمعنى أكاد أخفيها: أي أقارب ذلك، لأنك إذا قلت: كاد زيد يقوم جاز أن يكون قام وأن يكون لم يقم، ودل على أنه قد أخفاها بدلالة غير هذه الآية على هذا، وقوله (لتجزى كل نفس بما تسعى) متعلق بآتية، أو بأخفيها، وما مصدرية: أي لتجزى كل نفس بسعيها، والسعي وإن كان ظاهرا في الأفعال، فهو هنا يعم الأفعال والتروك، للقطع بأن تارك ما يجب عليه معاقب بتركه مأخوذ به (فلا يصدنك عنها) أي لا يصرفنك عن الإيمان بالساعة، والتصديق بها، أو عن ذكرها ومراقبتها (من لا يؤمن بها) من الكفرة، وهذا النهي وإن كان للكافر بحسب الظاهر، فهو في الحقيقة نهي له صلى الله عليه وآله وسلم عن الانصداد، أو عن إظهار اللين للكافرين فهو من باب: لا أرينك ها هنا، كما هو معروف. وقيل الضمير في عنها للصلاة وهو بعيد، وقوله (واتبع هواه)