سورة مريم الآية (76 - 80) الضمير في (عليهم) راجع إلى الكفار الذين سبق ذكرهم في قوله: (أئذا ما مت لسوف أخرج حيا) أي هؤلاء إذا قرئ عليهم القرآن تعذروا بالدنيا، وقالوا: لو كنتم على حق وكنا على الباطل لكان حالكم في الدنيا أطيب من حالنا، ولم يكن بالعكس، لأن الحكيم لا يليق به أن يهين أولياءه ويعز أعداءه، ومعنى البينات الواضحات التي لا تلتبس معانيها، وقيل ظاهرات الإعجاز، وقيل إنها حجج وبراهين، والأول أولى. وهى حال مؤكدة لأن آيات الله لا تكون إلا واضحة، ووضع الظاهر موضع المضمر في قوله (قال الذين كفروا) للإشعار بأن كفرهم هو السبب لصدور هذا القول عنهم، وقيل المراد بالذين كفروا هنا هم المتمردون المصرون منهم، ومعنى قالوا (للذين آمنوا) قالوا لأجلهم، وقيل هذه اللام هي لام التبليغ كما في قوله - وقال لهم نبيهم - أي خاطبوهم بذلك وبلغوا القول إليهم (أي الفريقين خير مقاما) المراد بالفريقين المؤمنون والكافرون، كأنهم قالوا أفريقنا خير أم فريقكم، قرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد وشبل بن عباد مقاما بضم الميم وهو موضع الإقامة، ويجوز أن يكون مصدرا بمعنى الإقامة، وقرأ الباقون بالفتح: أي منزلا ومسكنا وقيل المقام الموضع الذي يقام فيه بالأمور الجليلة والمعنى: أي الفريقين أكبر جاها وأكثر أنصارا وأعوانا، والندى والنادي: مجلس القوم ومجتمعهم، ومنه قوله تعالى - تأتون في ناديكم المنكر - وناداه جالسه في النادي، ومنه دار الندوة، لأن المشركين كانوا يتشاورون فيها في أمورهم، ومنه أيضا قول الشاعر: * أنادى به آل الوليد وجعفرا * (وكم أهلكنا قبلهم من قرن) القرن الأمة والجماعة (هم أحسن أثاثا ورئيا) الأثاث المال أجمع: الإبل والغنم والبقر والعبيد والمتاع، وقيل هو متاع البيت خاصة، وقيل هو الجديد من الفرش، وقيل اللباس خاصة. واختلفت القراءات في " ورئيا " فقرأ أهل المدينة وابن ذكوان " وريا " بياء مشددة، وفى ذلك وجهان: أحدهما أن يكون من رأيت ثم خففت الهمزة فأبدل منها ياء وأدغمت الياء في الياء، والمعنى على هذه القراءة: هم أحسن منظرا وبه قول جمهور المفسرين، وحسن المنظر يكون من جهة حسن اللباس، أو حسن الأبدان وتنعمها، أو مجموع الأمرين. وقرأ أهل الكوفة وأبو عمرو وابن كثير " ورئيا " بالهمز، وحكاها ورش عن نافع وهشام عن ابن عامر، ومعناها معنى القراءة الأولى. قال الجوهري: من همز جعله من المنظر من رأيت، وهو ما رأته العين من حال حسنه وكسوة ظاهرة، وأنشد أبو عبيدة لمحمد بن نمير الثقفي:
أشاقتك الظعائن يوم بانوا * بذى الرأي الجميل من الأثاث ومن لم يهمز: إما أن يكون من تخفيف الهمزة، أو يكون من رويت ألوانهم أو جلودهم ريا: أي امتلأت وحسنت. وقد ذكر الزجاج معنى هذا كما حكاه عنه الواحدي. وحكى يعقوب أن طلحة بن مصرف قرأ بياء واحدة خفيفة، فقيل إن هذه القراءة غلط، ووجهها بعض النحويين أنه كان أصلها الهمزة فقلبت ياء ثم حذفت إحدى اليائين، وروى عن ابن عباس أنه قرأ بالزاي مكان الراء وروى مثل ذلك عن أبي بن كعب وسعيد بن جبير والأعصم المكي واليزيدي، والزي الهيئة والحسن. قيل ويجوز أن يكون من زويت: أي جمعت، فيكون