الهاء وبعدها همزة ساكنة وضم التاء. وقرأ ابن عامر وأهل الشام بكسر الهاء وبالهمزة وفتح التاء. ومعنى هيت على جميع القراءات معنى هلم وتعال، لأنها من أسماء الأفعال إلا في قراءة من قرأ بكسر الهاء بعدها همزة وتاء مضمومة، فإنها بمعنى: تهيأت لك. وأنكر أبو عمرو هذه القراءة. وقال أبو عبيدة: سئل أبو عمرو عن قراءة من قرأ بكسر الهاء والهمزة وضم التاء فقال: باطل جعلها بمعنى تهيأت اذهب فاستعرض العرب حتى تنتهي إلى اليمن، هل تعرف أحدا يقول هكذا؟ وأنكرها أيضا الكسائي، وقال النحاس: هي جيدة عند البصريين، لأنه يقال:
هاء الرجل يهاء ويهىء هيئة، ورجح الزجاج القراءة الأولى، وأنشد بيت طرفة المذكور هيتا بالفتح، ومنه قول الشاعر في علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
أبلغ أمير المؤمنين * أخا العراق إذا أتيتا إن العراق وأهله * سلم إليك فهيت هيتا وتكون اللام في (لك) على القراءات الأولى التي هي فيها بمعنى اسم الفعل للبيان: أي لك. أقول هذا كما في هلم لك. قال النحويون: هيت جاء بالحركات الثلاث: فالفتح للخفة، والكسر لالتقاء الساكنين، والضم تشبيها بحيث، وإذا بين باللام نحو هيت لك فهو صوت قائم مقام المصدر كأف له: أي لك أقول هذا وإن لم يبين باللام فهو صوت قائم مقام مصدر الفعل فيكون اسم فعل، إما خبر: أي تهيأت، وإما أمر: أي أقبل. وقال في الصحاح: يقال هوت به وهيت به إذا صاح به ودعاه، ومنه قول الشاعر: * يحذو بها كل فتى هيات * وقد روى عن ابن عباس والحسن أنها كلمة سريانية معناها أنها تدعوه إلى نفسها. قال أبو عبيدة: كان الكسائي يقول: هي لغة لأهل حوران وقعت إلى أهل الحجاز معناها تعال. قال أبو عبيدة: فسألت شيخا عالما من حوران فذكر أنها لغتهم (قال معاذ الله) أي أعوذ بالله معاذا مما دعوتني إليه. فهو مصدر منتصب بفعل محذوف مضاف إلى اسم الله سبحانه، وجملة (إنه ربى أحسن مثواي) تعليل للامتناع الكائن منه ببعض الأسباب التي هي أقرب إلى فهم امرأة العزيز، والضمير للشأن: أي إن الشأن ربي، يعني العزيز: أي سيدي الذي رباني وأحسن مثواي حيث أمرك بقوله (أكرمي مثواه)، فكيف أخونه في أهله وأجيبك إلى ما تريدين من ذلك؟ وقال الزجاج: إن الضمير لله سبحانه: أي إن الله ربي تولاني بلطفه فلا أركب ما حرمه. وجملة (إنه لا يفلح الظالمون) تعليل آخر للامتناع منه عن إجابتها، والفلاح: الظفر. والمعنى: أنه لا يظفر الظالمون بمطالبهم، ومن جملة الظالمين الواقعون في مثل هذه المعصية التي تطلبها امرأة العزيز من يوسف. قوله (ولقد همت به وهم بها) يقال هم بالأمر: إذا قصده وعزم عليه. والمعنى: أنه هم بمخالطتها كما همت بمخالطته ومال كل واحد منهما إلى الآخر بمقتضى الطبيعة البشرية والجبلة الخلقية، ولم يكن من يوسف عليه السلام القصد إلى ذلك اختيارا كما يفيده ما تقدم من استعاذته بالله، وإن ذلك نوع من الظلم. ولما كان الأنبياء معصومين عن الهم بالمعصية والقصد إليها شطح أهل العلم في تفسير هذه الآية بما فيه نوع تكلف، فمن ذلك ما قاله أبو حاتم قال: كنت أقرأ على أبي عبيدة غريب القرآن، فلما أتيت على (ولقد همت به وهم بها) قال: هذا على التقديم والتأخير: كأنه قال: ولقد همت به ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها، وقال أحمد بن يحيى ثعلب: أي همت زليخا بالمعصية وكانت مصرة، وهم يوسف ولم يوقع ما هم به، فبين الهمين فرق، ومن هذا قول الشاعر:
هممت بهم من ثنية لؤلؤ * شفيت غليلات الهوى من فؤاديا فهذا إنما هو حديث نفس من غير عزم، وقيل هم بها: أي هم بضربها، وقيل هم بها بمعنى تمنى أن